قمة الخضيرة وقاع النقب

منيب المصري.PNG
حجم الخط

بقلم:منيب رشيد المصري

 

لست من دعاة القتل، ولا من دعاة سفك الدماء، وأقول ما حدث في مدينة الخضيرة في الداخل الفلسطيني يأتي في سياق ردة فعل متوقعة على الجرائم التي ترتكبها دولة الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني، وأيضاً تأتي في سياق العنصرية الممارسة من طرف دولة الاحتلال بحق الفلسطينيين، وأيضاً في سياق ردة فعل على ذهاب “المجتمع الإسرائيلي” نحو المزيد من التطرف والعنصرية ونفي الآخر غير ال”يهودي” ونرى ذلك واضحاً في سلسلة القوانين المُقرة ليس ابتداءً من قانون الجنسية الإسرائيلي للعام 1952، وليس انتهاءً بقانوني القومية ويهودية الدولة، فالعمليات المسلحة هي رد فعل على سياسات دولة الاحتلال الممنهجة التي لا تقيم وزناً لغير اليهودي، وتنكر على الآخرين ليس فقط حقوقهم المدنية والسياسية بل إنسانيتهم.
تزامناً مع قمة النقب، على مستوى وزراء الخارجية لكل من إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية ومصر والإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب، حدثت هذه العملية المسلحة، وكأنها تقول للجميع طالما بقيت القضية الفلسطينية بدون حل يحصل من خلاله الشعب الفلسطيني على حقه في تقرير مصيره لن يكون هدوء وسلام، ولكن وفي ذات الوقت يجب الانتباه إلى الجهة التي نفذت العملية، والتي لا نريد ولا نؤيد وجودها إن تأكد ذلك بيننا، هي صنيعة أمريكا والحركة الصهيونية، ووجودها بيننا لا يخدم النضال الوطني الفلسطيني التحرري.
هذه القمة التي عقدت في منطقة تسمى “سادي بوكير” في النقب، – حيث قضى مؤسس كيان الاحتلال آخر أيامه، وتنصح الدوائر المختصة طلاب المدارس ومنتسبي الخدمة الإجبارية في جيش الاحتلال بزيارته لما له من رمزية، – جاءت لوضع آلية تعاون أمنية بين هذه الدول الست لمواجهة التهديدات الجوية والبحرية، وهذا يعني أن هناك إقراراً مسبقاً من طرف الدول العربية الأربع المشاركة في هذه الاجتماع بأن لهم عدواً مشتركاً مع “دولة الاحتلال” ومع الولايات المتحدة الأمريكية، وعلى الأغلب هذا العدو هو حلف المقاومة الذي يضم بالإضافة إلى إيران وسوريا وحزب الله، عدداً من فصائل المقاومة الفلسطينية، لذلك يمكن، وفي إحدى القراءات لقمة النقب، أن تكون في جزء منها موجهة ضد حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره.
لا يمكن فهم هذه القمة إلا في سياق “القاع” الذي وصلت إليه هذه الدول في تساوقها مع الحلول التي تريد أن تتجاوز حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، ولا يمكن فهم الهرولة نحو التطبيع مع دولة الاحتلال، فخلال السنتين الأخيرتين وقعت الدول المطبعة حديثاً مع الاحتلال ما يقرُب من 160 اتفاقية، لم تستطع أياً منها أن تمنع مستعمر عنصري من شتم العرب بأقذر الألفاظ، لكونهم عربا ليس أكثر، فكل هذه الاتفاقيات هي باتجاه واحد يصب في مصلحة الاحتلال وخدمة إستراتيجيته الهادفة إلى إقامة الدولة اليهودية من النيل إلى الفرات واستغلال ثروات العرب المادية والبشرية لصالح المشروع الصهيوني الامبريالي الذي بدأ فعلياً يطبق على الأرض منذ إعلان بلفور عام 1917، حين التقت مصالح الحركة الصهيونية مع مصالح الإمبريالية الاستعمارية وعلى رأسها بريطانيا.
من يعتقد من العرب المطبعين، والمطبلين لهم والساكتين على هذا التطبيع بأن قمة “القاع” في النقب ستجلب الأمن والسلام للمنطقة نقول بأن هذا وهمٌ لا بل سراب، فهؤلاء المطبعين لا يريدون الخير لشعوبهم، بل يريدون حماية أنظمتهم وضمان استمرارهم في الحُكم، فمن يضع مصيره في يد الحركة الصهيونية ذات الأطماع الاستعمارية التوسعية الاحلالية القائمة على أساس مهاترات توراتية وتاريخية مزورة، لن يجني سوى العار لنفسه.
ومن يعتقد بأنه وفي ظل المتغيرات الدولية الحاصلة وإعادة رسم العلاقات والأحلاف الدولية على أساس أن العالم لم يعد أحادي القطبية، لن يصيبه سوء من هذه المتغيرات، كونه بقي صامتاً، نقول له بأن الولايات المتحدة الأمريكية لن تحميه في حال أن تعارضت حمايته مع مصالحها، فهي تبني تحالفاتها على أساس “ساعدني بالقضاء على أصدقائك حتى أتفرغ لهزيمتك لاحقاً”.
وفي الحالة الفلسطينية نقول بأن أمريكا وعلى مدار تاريخها ابتداءً من دعمها اللا محدود لدولة الاحتلال وليس انتهاءً بحمايتها والدفاع عنها، فقد تعاملت معنا بأننا إرهابيين بحكم القوانين التي تعتبر منظمة التحرير الفلسطينية إرهابية. وبعيدا عن هذا الأمر فإن عدم تطبيق حل الدولتين التي تؤمن به الإدارة الأمريكية الحالية، – وأنا أعلم ذلك لأن الرئيس الحالي للولايات المتحدة الأمريكية، وحين كان نائبا للرئيس الأمريكي ووزير خارجيته آنذاك السيد جون كيري، وأثناء زيارته لمدينة بيت لحم، قال لي وبشكل مباشر أنهما يؤيدان حل الدولتين، ويؤيدا مبادرة السلام العربية بكل تفاصيلها -، يعني أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة لا تريد ولا ترغب بحل القضية الفلسطينية على أساس قرارات الشرعية الدولية لأن ذلك يتناقض مع مصالحة الحركة الصهيونية، لذلك أقول بأن التعويل على الولايات المتحدة الأمريكية لا يجدي نفعا.
وهنا أقول للشعب الإسرائيلي حان الوقت أن تستيقظوا وتطلبوا من حكومتكم تنفيذ ما تم الاتفاق عليه مع الشهيد الرمز ياسر عرفات , والرئيس محمود عباس .

لقد راسلت رؤساء الدول العربية الأربع المشاركين في قمة النقب، وكانت فحوى هذه الرسائل بأنه لا يمكن القفز عن الحقوق الفلسطينية لأن ذلك سيبقي على أساس التوتر في المنطقة، وبأن الذهاب باتجاه إسرائيل لن يخدم المصالح العربية المشتركة، وأعني هنا مصلحة الشعوب العربية، كما راسلت أيضا وزير الخارجية الأمريكي موضحاً له تبعات السياسية الأمريكية في ازدواجية المعايير والتحيز لصالح الاحتلال، كما أوضحت لجميع هؤلاء بأن الشعب الفلسطيني سيبقى يقاوم الاحتلال وصولا إلى حقوقه المشروعة، وفي ذات الوقت لا زال الشعب الفلسطيني مؤمناً بالسلام العادل والشامل والدائم، والذي يتأتى من إنهاء الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، والصراع العربي الإسرائيلي، وهذا يكون من خلال حصول الشعب الفلسطيني على حقه في تقرير مصيره، وهذا يقود إلى شرق أوسط جديد وجميل خال من الصراعات والحروب، يوجه فيه الجميع موارده المادية والبشرية في سبيل محاربة الأوبئة والمخاطر التي تحيط بالبيئة وكوكب الأرض، وهذا ما نريده كشعب فلسطيني أن تعيش الإنسانية في أمن ورفاه طالما حلمنا به، ونعاني من غيابه بسبب الاحتلال وسياساته.