الاسيرة خالدة جرار .... في البوسطة

عيسى قراقع
حجم الخط

انها ساعات شاقة وقاسية تنتظر الاسير الفلسطيني خلال نقله من السجن الى المحاكم العسكرية او سجن آخر او الى المستشفيات ، عندما ينقل داخل سيارة حديدية مغلقة اطلق عليها الاسرى مصطلح البوسطة، تتولى فرقة القمع الاسرائيلية الخاصة بالسجون والتي تدعى (نحشون) عملية الاشراف على نقل المعتقلين.

الرحلة في البوسطة قد تستغرق ذهابا وايابا خمسة ايام، تتوقف امام باب كل سجن، او عند كل معبار، والاسرى في داخلها محشورين في علبة حديدية باردة ، مقيدين ومربوطين بمقاعد حديدية مدببة، مخنوقين، يتمايلون شمالا ويمينا كلما دعست عجلات البوسطة على مطب في الشارع، ترتطم رؤوسهم بالمقاعد الفولاذية ، ارجلهم محشورة ومربوطة، لا حركة ولا راحة ولا هواء ولاشمس، اوجاع في الاجساد لا تطاق.

الاسيرة النائبة خالدة جرار في البوسطة، يتم نقلها الى محكمة عوفر العسكرية الساعة الثانية والنصف بعد منتصف الليل ، ومن سجن الشارون الى سجن الرملة، لتبقى محشورة في البوسطة حتى الساعة الرابعة صباحا، وتتحرك بها الساعة السابعة صباحا الى محكمة عوفر العسكرية لتصل الساعة الثامنة صباحا، يتم زجها في غرفة انتظار المحكمة، وهي غرفة تشبه الثلاجة ، شديدة البرودة، مقاعدها من الباطون ومرحاضها يفيض بالماء وبالروائح الكريهة.

في غرفة الانتظار الباردة، الخالية من النظافة، سقطت الاسيرة عبير القاضي منهارة من الوجع والبرد، الاجساد ترتجف ، آلام في المفاصل وأوجاع في الرأس ، لا طعام ولاماء.

قوات النحشون القمعية المسؤولة عن نقل الاسرى والاسيرات، اجسام ضخمة مفتولة العضلات، لا تعرف الرحمة، مسلحين بكل ادوات القمع، العصي والمسدسات والكلبشات والنعال الحديدية، يتفننون في ضرب الاسرى والاسيرات خلال رحلة نقلهم، التنكيل بهم واهانتهم، وعدم السماح لهم بتناول الطعام او قضاء الحاجة.

خالدة جرار تنتقل مع سجناء جنائيين، دائمي الصراخ والمسبات، لتدخل في رحلة سفر جهنمية ، خوف وقلق وترقب من اي اعتداء ، ما اطول هذه الرحلة، ولا يتوقف السجناء الجنائيون عن توجيه الشتائم البذيئة لها ونعتها بالارهابية، وكان يوم صقيع بارد، درجة الحرارة تساوي صفرا ، الجسم يتجمد والروح تنفث ما تبقى فيها من سخونتها العنيدة.

تقول الاسيرة صابرين ابو شرار، ظروف النقل في البوسطة مأساة حقيقية للاسيرات، انها رحلة تعذيب لا تعرف كيف تنته، موضحة انها نقلت يوم الخميس 10/12/2015 صباحا من سجن الدامون الى معبار الرملة، وهناك بعد انتظار طويل تم تبديل البوسطات ، ومن ثم نقلت الى سجن الشارون، وبقيت في البوسطة حتى الثالثة فجرا، ومن هناك الى معبار الرملة مرة اخرى، وانتظرت في البوسطة عدة ساعات، وفي حوالي الساعة الثامنة والنصف صباحا وصلت محكمة عوفر العسكرية، وبقيت تنتظر في غرفة الانتظار عدة ساعات لحين موعد المحكمة.

تقول ابو شرار: بقيت في غرفة الانتظار بالمحكمة بعد انهاء الجلسة حتى الساعة السادسة مساءا، ثم نقلت في البوسطة الى معبار الرملة، وبقيت في البوسطة 3 ساعات، ثم نقلت الى سجن الشارون لتصل الساعة الحادية عشرة ليلا، ولتنام ليلة هناك، ثم تنقل في الصباح الى سجن الجلمة، وتنتظر ساعتين لتبديل البوسطات، ومن بعدها نقلت الى سجن الدامون، لتصل في ساعات الظهيرة.

تقول صابرين: مشوار المحكمة استمر 5 ايام قاسية جدا ، وتم زج المنقولين في اقفاص حديدية ضيقة، وانها كانت في جهنم ، وعانت من اوجاع الظهر والارجل والمفاصل خلال هذه الرحلة.

المحكمة العسكرية اصدرت حكما على النائبة خالدة جرار ب 15 شهرا، وجهت لها تهم على نشاطاتها الاجتماعية والسياسية كنائبة منتخبة في المجلس التشريعي الفلسطيني، وكما قالت بان اعتقالها سياسي، وان النظام القضائي الاسرائيلي يريد كتم اي صوت يحكي عن انتهاكات الاحتلال، ووصفت المحكمة بانها مسرحية ومهزلة كبيرة.

لم تنته رحلة خالدة بعد اصدار الحكم، حيث نقلت بالبوسطة الساعة السابعة مساءا من عوفر، لتصل سجن الشارون بعد منتصف الليل، متعبة ومنهكة ومريضة، لتتساءل عن حال المرضى والمعاقين والجرحى الذين ينقلون في هذه البوسطة، انها رحلة الى الموت كما تقول.

البوسطة هي نظام سياسي وثقافي وقمعي وعنصري ينفذ بحق الاسرى والاسيرات، وهي وسيلة متحركة من سجن الى آخر، توقع اقسى اشكال التعذيب النفسي والجسدي بحق المعتقلين.

البوسطة ليست جزء من نظام المواصلات في دولة اسرائيل، كما تقول المحكمة العليا الاسرائيلية في ردها على مطلب استبدال نقل الاسرى في هذه المركبة الجهنمية ، وانما هي أداة قمع متحركة في المسافات والمساحات التي تشير الى جغرافية دولة تزدحم بالسجون.

وداعا...
انا مسافر في البوسطة الاسرائيلية
انا مسافر في دولة صارت علبة فولاذية
لا إشارة مرور في الطريق
لا محطة للماء او للهواء
انا مسافر في دولة حديدية
وداعا....
بقلم عيسى قراقع
رئيس هيئة شؤون الاسرى والمحررين
23-12-2015