يهل علينا الشهر الفضيل، شهر تنزيل القرآن، شهر الأخلاق والفضائل ونحن نفتقد أحباءنا، هناك أماكن فارغة وقلوب مثقلة وعقول منشغلة، ومشاهد مؤلمة على المستوى الوطني، دولة الاحتلال تستبيح دماء شبابنا كل يوم وتحتجز جثامين الشهداء وتستمر في سياساتها العنصرية. أما داخلياً، لقد شهدنا صوراً كثيرة مؤلمة خاصة بعد الانتخابات المحلية، وهنا تذكرة لكيفية توظيف الدين في الدولة لما فيه خدمة المنفعة العامة.
أتمنى في شهر رمضان المبارك أن تنعكس أخلاق الإيمان والعبادات في معاملاتنا. التسامح والمصالحة هو أحد أهم الفضائل والقيم التي يجب أن يلتزم بها كل من يحتفي برمضان، الترفع عن الصغائر لا يعتمد على الفصيل أو العشيرة أو الموقف أو الأشخاص، التسامح فضيلة يسمو لها أصحاب التقوى، من تصغر الدنيا ومناصبها ومناقبها في عيونهم مقابل مرضاة الله من خلال عمل الخير الذي يطول القيادة والسياسة.
يمكن ترجمة عمل الخير في أي مكان من خلال تذكر الفقراء والمحتاجين والأيتام، ولكن في فلسطين مطلوب من أصحاب التقوى ورجالات الدين أن يسعوا للمصالحة السياسية ولإصلاح البيت الداخلي الفلسطيني وعدم الاكتفاء بالعبادات حتى هداية أصحاب القرار لتحقيق المصلحة العامة.
مع رمضان نتذكر أهمية المصالحة وإنهاء الانقسام، يأتي رمضان لتذكير البشر بأهمية الانسانية والتسامح والمحبة. لهذا السبب وجدت الأديان السماوية، فالعبادة تغذية للروح، وهنا دعونا نلقي الضوء على أرقى نتائج التربية السليمة وهو ما يُسمى في عالم حل الصراع تحت مصطلح التسوية والمصالحة، أي التسامح بأسمى صوره. شكراً للحكماء ورجال الدولة والدين الذين ضربوا أمثلة رائعة على التسامح بفضل الرجال الصالحين الذين يحاولون منع الفتنة ويحتوون الخلافات التي كادت أن تتفاقم على مستوى الوطن! المُتسامح بطبعه هو المتصالح مع نفسه، الذي يمتلك الثقة بالنفس، يمتلك القوّة الفكرية ويتمتع بالسّلام الداخلي وتملأه الإيجابية ولديه المقدرة على استيعاب أصعب الظروف. فلسطين كانت وستبقى مثالاً للتسامح، طالما كان الشعب الفلسطيني خير مثال يُحتذى به للتعاضد والوحدة.
قدوم شهر رمضان هو تذكرة وسبب لصفاء النفوس، هناك عاملان أساسيان لتحقيق المصالحة: المعرفة والتجربة، والعلاقة طردية بينهما؛ فكلما زادت معرفة الانسان زاد تواضعه وإيمانه لإحداث التغيير الإيجابي، وكلما زادت تجارب الانسان وخاصة الصعبة منها، زاد إيمانه بأن الحياة فانية وأن لا شيء يجب أن يقف في وجه التسامح! التسامح ليس ضعفاً ولا قلة حيلة، على العكس تماماً فهو الإدراك بماهية الحياة ومفهوم الانسانية والتربية الحسنة.
الانقسام الفلسطيني هو بمثابة النكبة الفلسطينية، هو الحجة والذريعة أمام كل من يقف ضدنا، واستمراره لا يخدم سوى دولة الاحتلال، حان الوقت أن يتوحد طرفا الوطن. أي خلاف أياً كان لا يأتي من طرف واحد، ولحل أي خلاف لا بد من تشارك المسؤولية، إنهاء الانقسام مسؤولية وواجب الجميع.
رمضان يذكرنا بالالتزام والقصاص، وفي هذا الزمن إن انفاذ وصرامة القانون هي الأساس والطريق للعدالة والاستقرار والعيش بكرامة، وباسم الشعب المتسامح، نريد دولة المؤسسات وليس دولة الانتماءات، ولا نريد تكرار مشهد العطوات.
سقراط اليوم موجود عند النيابة والقضاء ونحن بانتظار أصحاب العقول من رجالات الدين والدولة والأمن لإنفاذ القانون بصرامة لكي يعتبر الجميع.
كرم الله لا يتأخر إنما يأتي في الوقت المناسب توازياً مع العمل والسعي الى جانب العبادة.
ما نشهده الْيَوْم مِن تطورات خطيرة ما هو إلا دلالة على نجاح دولة الاحتلال في تحويل الصراع. تفاصيل الانقسام والخلافات الداخلية تأتي لخدمة الاحتلال الإسرائيلي على الأرض الفلسطينية، لا بد من تركيز الجهود والطاقات الداخلية والدولية لإنهاء هذا الاحتلال، ورمضان كريم.
– دلال عريقات: أستاذة الدبلوماسية والتخطيط الاستراتيجي، كلية الدراسات العليا، الجامعة العربية الأمريكية.