يبدو استخدام مصطلح "الاختراق الأمني" نوعاً من التحايل على الفشل الذريع للأجهزة الأمنية في إسرائيل، ومحاولة امتصاص وقع العمليات الثلاث الأخيرة التي تقدمت، كما لو أنها تتبع طريقاً صاعداً من "النقب" إلى "الخضيرة" بين حيفا وتل أبيب، نزولاً إلى "بني براك" في قلب إسرائيل.
أربعة شبان بمرجعيات مختلفة ومن جغرافيات أمنية مختلفة ومن حواضن مختلفة، ثلاثة منهم قدموا من مناطق 48، من فلسطينيي الداخل، صحراء النقب ومدينة أم الفحم، بينما وصل الرابع من بلدة يعبد شمال الضفة الغربية.
أحمد أبو القيعان منفذ عملية النقب من قرية حورة. يعمل مدرساً ثانوياً، وأب لخمسة أطفال، وكان قضى أربع سنوات في السجون الإسرائيلية بتهمة الانتماء إلى "داعش"، نفذ عملية طعن ودهس في مدينة بئر السبع في 23 آذار (مارس) الماضي، كانت نتيجتها أربعة قتلى من الإسرائيليين، الهجوم حدث غير بعيد من الأراضي المصادرة من البدو الفلسطينيين، حيث يعيش البدو في نحو 35 قرية غير معترف بها من السلطات الإسرائيلية، وتتعرض حالياً لمصادرة أراضيها وتهديدها بالهدم والتهجير.
نحو الثامنة من مساء الأحد 27/آذار وصل أيمن وإبراهيم أغبارية، وهما ابنا عم من أم الفحم غير البعيدة من الخضيرة إلى شارع "هربرت صموئيل" وانتظرا في محطة الحافلات، حيث أطلق أحدهما النار على حافلة للشرطة قبل أن ينضم إليه زميله بعد استيلائه على بندقية أحد الشرطيين فقتلا اثنين، شرطياً من الطائفة الدرزية وشرطية تحمل الجنسية الفرنسية وأصابا عشرة، جميعهم، كما أفاد الأمن الإسرائيلي، من أفراد الأمن، موقع العملية ليس بعيداً من عملية نفذت في خريف عام 2005 في سوق الخضر في المدينة، قتل خلالها سبعة إسرائيليين، تبنتها في حينه "حركة الجهاد الإسلامي" انتقاماً لاغتيال أحد قادتها.
اللافت في المشهد أن ثلاثة من المنفذين تحيط بهم شبهة الانتماء إلى "داعش"، اثنان سجنا بسبب هذه الشبهة، وقد تبنت "داعش" في بيان وصل إلى الإعلام عملية الخضيرة.
هذه هي المرة الأولى التي تظهر فيها "داعش" في فلسطين بهذا الوضوح، لو استثنينا رفع بعض الرايات في مسيرة أو اثنتين في غزة، لم تكن فلسطين على جدول عمليات التنظيم، كان التنظيم مشغولاً ببناء دولته في العراق وسوريا، ولم توفر فلسطين بيئة حاضنة للتنظيم، بدا الأمر في سياق هذا التوازن حتى صدور بيان تبني العملية عشية وصبيحة "قمة النقب" الإسرائيلية الأميركية العربية، التي تحدث بدورها للمرة الأولى، وعشية الإعلان عن الاتفاق النووي وتحرر إيران من قفص العقوبات.
الشاب القادم من يعبد، ضياء حمارشة، ابن الـ27 عاماً، الأسير السابق وأحد أعضاء "كتائب الأقصى" التابعة لفتح، أثار بدوره أسئلة كثيرة ومقلقة في غرف الشاباك الإسرائيلي وغرف المقاطعة في رام الله على حد سواء، بينما واصلت الفصائل على مختلف أنواعها تزجية التبريكات.
المتتبع لأشرطة الفيديو سيلاحظ أنه لم يكن غاضباً ولم يكن عشوائياً، تقول امرأة إسرائيلية، شاهدة عيان، للصحافة إنه طلب منها ومن صديقتها وطفلتها، الابتعاد قبل أن يبدأ بإطلاق النار. وينقل في وسائل الإعلام أنه اشترى البندقية من أجرته كعامل في الداخل، وتنقل القناة العبرية "كان" عن الشرطة الإسرائيلية أنه أطلق فقط 12 رصاصة وكان لديه الوقت للتغلب على مشكلة تقنية في بندقيته، وتنقل في أكثر من مكان وأحدث كل هذه الإصابات وبقيت لديه 16 طلقة.
إسرائيل التي تثير الغبار في المنطقة حول ما سيفعله الفلسطينيون، ابتداءً من مسيرات يوم الأرض وصولاً إلى شهر رمضان، من دون أن تتوقف عن الاستيطان واقتحام المسجد الأقصى وتهجير حي الشيخ جراح وتجاهل الفلسطينيين ومحاولة إقصائهم عن المشهد السياسي، مدفوعة بفائض القوة وتداعي المنطقة، حصلت على البضاعة، وعلى ما لم يكن في حسابات الشاباك، رغم أن هذا يكاد يكون لازمة متكررة من الانتفاضة الكبرى إلى الآن.
رئيس الوزراء اليميني في إسرائيل نفتالي بينيت ذهب إلى أبعد من الاحتجاجات التي طالبته بالاستقالة، ومن غريمه نتنياهو الذي ارتدى قبعة سوداء وهرع لزيارة عائلات القتلى ومشاركتهم في التحسر على ضعف الحكومة وضياع الدولة.
بينيت الذي لا يملك سوى ستة مقاعد في البرلمان ويقود ائتلافاً متصدعاً، والذي يطارده شبح نتنياهو صعد سلماً عالياً، سمح للمتطرف بنغفير باقتحام الأقصى وأرسل الجيش إلى جنين وقتل اثنين من الفلسطينيين، وطالب الإسرائيليين بحمل السلاح للدفاع عن أنفسهم، معلناً أن من يملك سلاحاً عليه أن يحمله، الطلب موجه إلى الإسرائيليين اليهود داخل الدولة في حدود 48، يستثني الفلسطينيين الذين يشكلون 20% من "المواطنين" الذين سيكونون هدفاً لحملة السلاح، وهو، النداء، غير موجه إلى المستوطنين الذين يتجولون بسلاحهم في الضفة الغربية والقدس بحماية الجيش والشرطة والقضاء.
هذا تطور جيني لافت وبالغ الخطورة لنظام الأبارتيد الإسرائيلي، يتجاوز النظام العنصري المنتهي في جنوب أفريقيا، إذ لم تعد المؤسسة الأمنية المنفذة الوحيدة لقوانين الفصل العنصري، ولم تعد منظومة القضاء الحارسة الوحيدة لهذه القوانين والحرص على تطبيقها، الآن يمكن لكل إسرائيلي يهودي أن يقوم بذلك وبسلاحه واجتهاده الشخصي، معتمداً على شكوكه وإحساسه بـ"التهديد"، التهديد الذي يبدأ من ظهور "عربي" في المقهى أو في المتجر أو المستشفى أو على شاطئ البحر، أو في استخدام اللغة العربية بين شخصين يسيران في الشارع. تحت مظلة قانون "الدولة القومية لليهود"، لم يعد الأمر محصوراً بالمستوطنين في الضفة الغربية، الجميع بإمكانهم إطلاق النار على الفلسطينيين الآن من النهر إلى البحر.