اختبار جنين

5894Image.jpg
حجم الخط

بقلم غسان زقطان

 

 

 

استراتيجية الاحتلال في إدامة احتلاله هي تفكيك المقاومة الفلسطينية، معظمنا يعرف ذلك، تقسيم الفلسطينيين وتقطيع ما يعتقده المنقسمون "مصالح" أولا ثم تحويل هذه الانقسامات إلى نمط، ثم التعامل مع كل قطعة على حدة، واستنبات أنماط متفرعة عن النمط الرئيسي.
نجحت الفكرة التي تعززت بقوة مع استيلاء "حماس" على غزة، وتحول الانقسام إلى ثقافة.
يبدو هذا الحديث زائدا عن الحاجة ومتداولا ويمكن الحصول عليه في أي اجتماع يضم أكثر من فلسطيني واحد، في محل البقالة والمقهى وسهرات البيوت وسيارات الأجرة والمصانع الصغيرة، وحسبة الخضار وأثناء الوقوف على حواجز الاحتلال وخطابات المنقسمين وشعاراتهم، خطابات حول الوحدة وعدم منح الاحتلال فرصة الاستفراد بمنطقة من مناطق الانقسام، ورغم ذلك يستفرد الاحتلال بمخيم جنين ويعبد والأسرى وجبل صبيح والأغوار والخليل...، يستفرد بسقيفة في مزرعة أو بيت لم يحصل على "رخصة" في مناطق "سي"، وأحيانا في مناطق "ألف"، يستفرد ببئر ماء أو نبع أو بركس أو غرفة صف أو مدخل قرية، ولا يصغي لبلاغة الوحدة الفلسطينية أو التهديدات المتكررة لمتحدثين لا يصغي إليهم سوى مذيع الفضائية، ولا يلتفت لأفكار السلام واليد الممدودة من فوق جثث الفتية وأنقاض البيوت المهدمة.
ولكنه، الاحتلال، لا ينام وهو يراقب أبواب البيوت التي يخرج منها فتية، صامتون في الغالب، وسيمون، وهادئون، يصعب سماع أصواتهم أو تمييزها، أصوات عادية لم يستهلكها الاستخدام، وقلوب متنبهة لم يرهقها الإصغاء إلى الثرثرة في الفضائيات أو ذكرى انطلاقات الفصائل، أو تزجية المباركات.
ينهضون دون أن ينسوا ترتيب أسرتهم، بعد أن أنجزوا بهدوء وتأمل برنامجهم الصغير بخطوطه الواضحة البسيطة، لا يثرثرون في أحلامهم ولا يقفزون على المنابر، يغادرون البيوت وفي قلوبهم دفء العائلة ورائحة الخبز، وقد تراكمت أحلامهم في مواجهة القهر.
هؤلاء هم كابوس الاحتلال، حيث يتحول إلى وحش أعمى كلما حاول البحث عنهم، أو قراءة أفكارهم أو تقصي أثرهم.
وبينما يواصل المنقسمون حول المصالح الطواف حول العالم وتدبيج جولات "الحوار الوطني"، ومفاوضات "المصالحة"، وتعويم كل شيء تقريبا، يعود كل شيء إلى مخيم جنين وأكنافه.
الاختبار الأخير هو "هناك" في ذلك الفضاء، اختبار الوحدة واختبار "المصالحة" واختبار الوطنية، غربلة الرطانة والتمتمة ومفاهيم "المصلحة الوطنية".
الأشياء لن تكون كما كانت.
باختصار مثل رواية شعبية يرددها الناس ويدققون فصولها، لا ينبغي أن يستفرد الاحتلال وحكومة الثلاثي بينيت ولابيد وغانتس وتابعهم منصور بـ"جنين".