يبدو أن هناك كثيراً من «الحرية» التي يجري الترويج لها هذه الأيام. ففي غضون أيام من توليه منصب حاكم ولاية فرجينيا، وقّع غلين يونغكين أمراً تنفيذياً بحظر تدريس نظرية العرق النقدي، موضحاً أنه يجب على الدولة تعزيز «حرية الفكر». ثم انتقل بعد ذلك إلى رفع تفويضات ارتداء القناع في المدارس العامة، مشيراً إلى «الحرية الفردية». في منتصف يناير (كانون الثاني)، ناقش المشرعون في فلوريدا مشروع قانون «الحرية الفردية» الذي من شأنه أن يحد من المناقشات حول العرق والتمييز في المدارس والشركات.
في توقيت متزامن تقريباً، أسس السياسيون المحافظون في جورجيا «كتلة الحرية» التي تسعى إلى تحقيق بعض الأهداف من بينها إبقاء «الآيديولوجيا الخطرة» خارج المدارس. وفي ولاية أيوا، كان من الممكن أن يسمح «قانون حرية الوالدين في التعليم» بمنع الأطفال من تعلم أي شيء يرونه مرفوضاً، ومراجعة مناهج المعلمين وخطط الدروس في أي وقت وتحدي تفويضات القناع.. (تم رفض مشروع القانون في مجلس شيوخ ولاية أيوا).
استخدمت كل من هذه الأفعال لغة الحرية لتبرير السياسات المناهضة للديمقراطية. وكان هذا ما سميته «الحريات القبيحة» التي تُستخدم لمنع تدريس أفكار معينة، وتقليل قدرة الموظفين على امتلاك القوة في مكان العمل وتقويض الصحة العامة.
لم تكن هذه مجرد حريات أسيء فهمها، أو حتى مجرد استخدام ساخر للغة الحرية لتشكيل سياسات متعصبة، حيث أظهرت، بدلاً من ذلك، تفسيراً خاصاً للحرية ليس توسعياً، بل كان إقصائياً وقسرياً.
في الواقع، هناك تاريخ طويل من الحريات القبيحة في أميركا. فمنذ بداية التجربة الأميركية، كانت لغة الحرية تنطبق فقط على قلة مميزة. وفي وقت انعقاد المؤتمر الدستوري في فيلادلفيا، كان 2 في المائة فقط من سكان المدينة مؤهلين للتصويت، وسمحت قوانين الرق لأصحاب الأملاك البيض بامتلاك الأشخاص السود – وخلق ما سماه المؤرخ تايلر ستوفال «حرية البيض»، و«الاعتقاد (وممارسة) مبدأ يؤكد أن الحرية أمر جوهري للهوية العرقية البيضاء، وأن الأشخاص البيض فقط هم من يمكنهم أو يجب أن يكونوا أحراراً». وقد امتدت هذه الحرية الممنوحة للبيض إلى التعذيب والاغتصاب والسيطرة مدى الحياة على البشر الذين «يملكهم».
في بداية التاريخ الأميركي، سمحت المطالبات بحرية الرجل بالعنف المنزلي ضد المرأة، وسمحت له امتيازات الزوج وخصوصيته بضرب زوجته. وفي عام 1827، جادل الفقيه والباحث القانوني جيمس كينت نيابة عن الأزواج قائلاً: «لقد منحه القانون تفوقاً معقولاً وسيطرة على شخص زوجته، حتى إنه قد يضع قيوداً على حريتها، إذا كان سلوكها يتطلب ذلك». بمعنى آخر: حرية المرأة كانت حسب تقدير زوجها.
في القرن العشرين، جرى تبرير الفصل العنصري على أنه حرية الأشخاص البيض في التحكم بالأماكن العامة واتخاذ قراراتهم التجارية الخاصة. ففي خطابه الافتتاحي الشهير عام 1963 حول الفصل العنصري، صاغ حاكم ولاية ألاباما جورج والاس موقفه ضد الاندماج على أنه «كفاح من أجل الحرية»، وبرره على أنه «آيديولوجية آبائنا الأحرار»، ويمكننا هنا أن نطلق على تلك الآيديولوجيا التفوق الأبيض.
ليست هذه سوى أمثلة قليلة على الكيفية التي قمعت بها المطالبات من أجل «الحرية» منذ فترة طويلة حقوق غير البيض والنساء والعمال. صحيح أن لغة الحرية كانت مركزية في التحرر والاقتراع والحركات الديمقراطية بجميع أنواعها، لكنها بررت أيضاً العنف والتمييز.
اليوم، مزيد من القوانين والتجمعات وحركات اليمين المتشدد تستخدم لغة الحرية كعصا لتقويض الحكم الديمقراطي والحقوق المدنية. وهي القوانين التي من شأنها أن توسع زحف الاستبداد. أصر أحد المعارضين على قوله: «أنا هنا من أجل الحرية»، عندما تحدث عن مشاركته في الهجوم على مبنى الكابيتول الذي حدث في يناير الماضي. أيضاً استشهد معارضو تفويضات ارتداء القناع بـ«الحرية الصحية»، حتى لو أن رفضهم ارتداء القناع تسبب في حرمان الأشخاص الذين يعانون من نقص المناعة من حرية الحركة، وجعل المجتمعات أكثر عرضة للإصابة بـ«كوفيد».
إن جنون الحريات القبيحة في السياسات المناهضة للديمقراطية يهدد بتقويض معنى الحرية تماماً وتسخير الحرية فقط لمشاريع الإقصاء والامتياز والضرر.
ورغم ذلك، يمكننا اليوم أيضاً أن نرى حركات وتشريعات سياسية نابضة بالحياة تستعيد الحرية كحق للجميع. إن هذه الحريات تعمل على توسيع قدرات الأميركيين لعيش حياة مزدهرة والمشاركة في الشؤون العامة.
تتشكل هذه الحرية الشاملة أحياناً في القوانين التشريعية، حيث كان قانون حرية التصويت وقانون النهوض بحقوق التصويت لجون لويس يعززان هذا النوع من الحرية. وتهدف مشاريع القوانين بشكل طموح إلى زيادة نسب التصويت من خلال جعل يوم الانتخابات يوم عطلة فيدرالية (وبالتالي تحرير العمال للوصول إلى صناديق الاقتراع)، وتحسين التصويت عن طريق البريد، وزيادة الشفافية في تمويل الحملات، وتوسيع الحماية للناخبين من الأقليات. فمن خلال تسهيل التصويت لجميع الأميركيين، جرى الترويج لشكل من أشكال الحرية التي توسع الديمقراطية بدلاً من تقليصها، حيث يصر هذا النهج على أن الحرية تعني أن الجميع يجب أن يتمتعوا بسلطة متساوية لتشكيل أنظمة الحكم.
في يناير، حققت ولاية نيوجيرسي نجاحاً أكبر في استعادة الحرية مع تمرير قانون حرية الاختيار الإنجابي. يضمن هذا القانون على نطاق واسع أن المرأة تحتفظ بالسيطرة على إنجاب الأطفال، ما يضمن هذه الحرية قبل فقدانها على المستوى الفيدرالي عندما تحكم المحكمة العليا في قضية «دوبس» ضد «منظمة جاكسون لصحة المرأة» العام الجاري. ويستند القانون إلى لغة الحرية لضمان قدرة المرأة على اتخاذ قرارات بشأن تحديد النسل والإجهاض والحمل، وتعزيز شكل من أشكال الحرية التي يقرر فيها الناس مستقبلهم فيما يتعلق بالإنجاب.. (لسوء الحظ، لم يُزِل مشروع القانون، في نسخته النهائية، حواجز التكلفة للإجهاض، ما يجعل من الصعب على النساء ذوات الدخل المنخفض الحصول على هذه الحرية).
من المؤكد أن الجهود المبذولة لمواجهة الحريات القبيحة لا تقتصر على الإجراءات التشريعية. وهي تشمل جهود النقابات التي تناضل من أجل الحرية في مكان العمل. وهي تمتد لتشمل الحركات الاجتماعية القوية التي تنظم حريات السود والمعاقين. تصوغ هذه الحركات لغة ديمقراطية للحرية تتحدى هياكل الامتياز التي تسمح لبعض الأميركيين بسلطة لا مبرر على الآخرين، وتوسع وصول المواطنين إلى السلطة الحاكمة.
تبرر الحريات القبيحة في السياسة الأميركية اليوم حكم الأقليات والتحيز والحكم المناهض للديمقراطية. إذا لم نتراجع عن شعبيتها المتزايدة، فسنكون قد تنازلنا عما تعنيه الحرية لأولئك الذين يدعمون الحكم الاحتكاري، وسنكون قد عززنا انحدار أميركا نحو الاستبداد. يعد إنشاء ودعم بدائل ديمقراطية للحرية القبيحة، في كل من الهيئات التشريعية وفي الشوارع، مهمة ملحة لكل من يقدر المساواة وصحة المجتمع والقوة المشتركة لبناء مجتمع حر يقدر حقاً جميع أعضائه.
عن«نيويورك تايمز»