الاختيار: موسم آلام الإخوان

حجم الخط

بقلم محمد صلاح 

 

لا تستغرب حين تطالع وسائل إعلام تنظيم “الإخوان” الإرهابي أو القنوات الداعمة للتنظيم، ومواقع التواصل الاجتماعي التي تقوم عليها لجان إلكترونية جيّشت الجماعة مئات من عناصرها لإدارتها، وتجد هذا التركيز المبالغ فيه للهجوم على مسلسل “الاختيار” الذي تعرضة فضائيات عربية عدة في شهر رمضان!

فالأمر ليس اهتماماً بالفنون مثلاً أو بالأوضاع في مصر، أو انعكاساً لقيمة مصر وثقلها في المنطقة، وإنما المسألة ببساطة تعكس توجهات التنظيم، وسعيه إلى إبقاء أعضائه على حالهم من دون إعمال العقل أو التفكير أو اكتشاف خطايا قادتهم وأخطائهم في مصر بالأساس، وتنفيذه خطة تهدف إلى إفساد كل عمل يستهدف توضيح ما جرى في فترة ما بعد الربيع العربي والسنة التي حكم “الإخوان” فيها مصر، ليس فقط يأساً من ثورة يدعو لها التنظيم على مدى سنوات من دون استجابة من الشعب المصري، لكن لأن عناصر التنظيم المنتشرين في أنحاء العالم ما زالوا يعتقدون أن مؤامرة كونية كانت وراء نزع السلطة عن الجماعة، وكذلك لأن استقرار مصر وهدوء الأوضاع فيها، وتماسك الجيش وصلابة البناء المجتمعي المصري، أمور كلها تمثل هزيمة كبرى لمشروع أنفقت دول دعمت التنظيم عليه كثيراً وعمل “الإخوان” من أجله طويلاً، وجاهر قادتهم على تحقيقه من دون جدوى.

المحصلة أن “الإخوان” وكل الجهات التي تدعمهم يعتقدون أن كشف الحقائق بعد إسقاط حكم “الإخوان” وثورة الشعب المصري على الجماعة يعني إسقاطاً للتنظيم نفسه، وأن الاطلاع على وثائق تكشف ما كان مخفياً عن مواقف وتصرفات قادة التنظيم سيُعد دليلاً قاطعاً على فشل “الإخوان” في حكم مصر، وهي التهمة التي تبذل تلك الأطراف جهوداً مضنية لمحاولة نفيها، بادعاء تعرّض “الإخوان” لمؤامرة من الجيش أو الغرب أو الشرق، كانت وراء خلع محمد مرسي عن المقعد الرئاسي. عموماً، فإن الأجواء في مصر تشير إلى أن المصريين تجاوزوا فترة حكم “الإخوان” لكن بقي لدى الناس ذلك الشغف بمعرفة تفاصيل تؤكد لهم أن ذلك التنظيم ارتكب كل الحماقات، أو قل الجرائم…

يهتم إعلام “الإخوان” كل يوم بأسعار الطماطم (البندورة) وأوضاع الصرف الصحي ومعضلة تراخيص سائقي “التوك توك” في مصر، وروّج مراراً وتكراراً لثورة الجياع وجُمعات غضب، وسعى طويلاً للاساءة إلى الجيش والشرطة والقضاء، وأطلق من منصاته قذائف التشويه وصواريخ السخرية ضد السيسي، وبدأت تلك المنصات حملات ضرب المسلسل الذي يعرض الآن الجزء الثالث منه، قبل شهر رمضان، والتشكيك في وقائعه قبل أن تُعرض، واغتيال كل من يشيد به معنوياً قبل أن يبدي رأيه. أما ثورجية الفضائيات وناشطو مواقع التواصل ورموز الكآبة وناشرو اليأس بين الناس، ففشلوا، حتى الآن، في تكرار مفردات “الإخوان”، بعدما أضاعوا الوقت الطويل في محاولة الإساءة للسيسي، والتهوين من كل مشروع تبناه ورأي طرحه وموقف اتخذه، وحين كرروا مفردات “الإخوان” ضد المسلسل وجدوا حلقاته تفضحهم وتكشف تحالفهم مع التنظيم الذي يخالف أفكارهم من أجل مناصب ومواقع… وأموال.

أظهر الجزء الثالث من المسلسل الى أي مدى حافظ الجيش المصري على وطنه وتصدى لمؤامرات “الإخوان” وكشف تحالفاتهم مع دول وجهات وأجهزة استخبارات أجنبية، وأن الجيش حاول إثناء محمد مرسي وقادة “الإخوان” عن تدمير البلد ونشر الفوضى في ربوعه وحين وجد إصراراً من جانب التنظيم على سحق قوى المعارضة و”أخونة” أجهزة الدولة تدخل وعبر مصر منعطفاً خطراً لم تستطع دول أخرى في المنطقة عبوره.

يحتل الجيش المصري مرتبة متقدمة في ترتيب الجيوش في العالم، وهذه مسألة يفتخر بها المصريون، وإن كانت تُغضب “الإخوان” والدول والجهات المتحالفة مع الجماعة، ورغم عشرات الأفلام المفبركة التي جرى عرضها على قنوات داعمة للتنظيم لمحاولة الإساءة إلى الجيش المصري أو التأثير في ضباطه وجنوده، زادت مكانة الجيش لدى المصريين فواصل حملته ضد الإرهابيين في سيناء وتمكن من خفض وتيرة عمليات الإرهاب هناك والحد من نشاط الإرهابيين في شبه الجزيرة، وفي الوقت نفسه حظي بإشادات دولية من دوريات متخصصة في العلوم العسكرية، نتيجة التطوير الكبير في تسليحه وكفاءة العنصر العسكري في آن، بينما المصريون يعتبرون أن جيشهم حمل البلد على أكتافه، وعبر بها نفقاً مظلماً ونجا بها من مصير كان مهلكاً.

ويأتي الصيف كل سنة مناسبةً يظهر فيها مدى ارتباط الشعب المصري بجيشه وتقديره لدوره التاريخي، إذ يحل موسم تخريج طلبة الكليات العسكرية التي زاد عددها وتخصصاتها في الأعوام الأخيرة، وتُجرى حفلات التخرج تباعاً في الأسبوع الأخير من شهر تموز (يوليو) كل سنة، ويصاحبها زخم شعبي زاد بدرجة كبيرة بعد إطاحة حكم “الإخوان” واستجابة الجيش للإرادة الشعبية.

ورغم استهداف جماعة “الإخوان” وحلفائها في الأعوام الأخيرة الكليات العسكرية بإشاعات هدفها الإساءة إلى المؤسسة العسكرية عموماً ومنع الإقبال على الالتحاق بالجيش خصوصاً، بزعم أن الفوز بدخولها يخضع للمحسوبية والواسطة، إلا أن الثابت في مصر أن الكليات العسكرية تحرص على تمثيل كل فئات الشعب المصري، ومن كل المناطق، إذ يعج الريف المصري بأبناء فلاحين ينخرطون في الخدمة في القوات المسلحة كما في المدن من أبناء الطبقة الوسطى خصوصاً، ولاحظ المصريون أن جنازات الشهداء من ضحايا الإرهاب تتوزع بين محافظات مصر ومدنها وقراها وأن أسرهم يمثلون شرائح من فئات المجتمع.

جعل مسلسل “الاختيار” بالوثائق التي يعرضها والتسجيلات التي يكشف فيها تورط قادة “الإخوان” وفشلهم، الألم يزداد لدى التنظيم وداعميه في هذا التوقيت من كل سنة، فيجيّش “الإخوان” في أنحاء العالم أنفسهم لمواصلة نشاطهم المحموم لإقناع المصريين عدم متابعة المسلسل أو عدم تصديق الحقائق التي يعرضها فلا تكون النتيجة إلا مزيداً من سخرية المصريين والألم لجموع “الإخوان”، الذين لا يصدقون أن المصريين حريصون على التصرف عكس رغبات الإرهابيين!