حمل اليومان الأخيران من الأسبوع الماضي حدثين في غاية الخطورة والأهمية: الأول، هو عرس المستوطنين الذي فضحهم، وفضح، أيضاً، كل من حاول في السابق التستُّر على هذه المجموعات الإرهابية، والحدث الثاني، هو تغريدات المسعف الإسرائيلي الذي قال إنه لن يقدم العلاج لأي فلسطيني مصاب مهما كانت درجة خطورته، وأنه فقط سيقدم العلاج للمصابين اليهود حتى لو كانت إصاباتهم طفيفة.. وعاد ليؤكد موقفه من جديد، بقوله: «هذا موقف ثابت ولن يتغير، ولتذهب الأخلاقيات إلى الجحيم».
في الحدث الأول، قام عشرات المستوطنين بطعن صور عائلة الشهداء دوابشة وإطلاق هتافات الانتقام، والتلويح بالبنادق الرشّاشة الأميركية «أم 16» خلال عرس استيطاني، الأمر الذي يدلّ على عمق هوة الكراهية والعنصرية التي ينتهجها المستوطنون تجاه كل ما هو فلسطيني.
فالمجموعات الإرهابية الاستيطانية لم تعد تتحدث سوى بلغة داعشية إن لم تكن أسوأ، وتحاول أن تضرب في كل نقطة يمكن أن تصل إليها في الضفة الغربية، وحتى في القدس المحتلة والداخل الفلسطيني.
لو كان هذا الحدث وقع في الجانب الفلسطيني لكانت ردة الفعل الإسرائيلية والعالمية أشبه بهزّة أرضية بقوة 10 درجات على مقياس ريختر، ولأُخذ الشعب الفلسطيني وقيادته بجريرة هذه الفعلة... ولكن في الجانب الإسرائيلي نلاحظ هذا الانقسام بين معسكرين: الأول، يدافع بقوة عن هؤلاء القتلة الإرهابيين، بل أكثر من ذلك يحذر قادة الاحتلال من المضي قدماً في نهج سيؤثر على المجموعات الإرهابية اليهودية. والمعسكر الآخر هو من قيادات أحزاب اليمين الذين وجدوا أنفسهم محرجين من هذا الموقف الصعب، فأصدروا بيانات الإدانة لهذا الحادث كمن يحاول مسك العصا من المنتصف، فهم لا يرغبون في المغامرة بعلاقاتهم مع المجموعات الإرهابية... ولكنهم أيضاً، غير قادرين على مواجهة الانتقادات الداخلية، وخاصة مما تبقى من عناصر اليسار الإسرائيلي الذي يعاني من هزال مزمن منذ أكثر من 15 عاماً.
هذا العرس الحقير لمجموعات الإرهابيين أصبح دليلاً في يد الفلسطينيين على حجم المعاناة التي يلاقيها المواطنون العزل من مجموعات القتلة الذين يطلقون على أنفسهم مسمّيات كثيرة منها «تدفيع الثمن» و»شبيبة الجبال» و»مملكة إسرائيل» و»حراس دولة يهودا»، وهي معاناة متواصلة منذ سنوات، دون أن نلاحظ أي مبادرات حقيقية من قيادة دولة الاحتلال لوقف هذه الموجات الإرهابية.. إلاّ عندما تكتوي أيديهم بجرائم الحرب التي يمارسها «يمينهم المتطرف» كما يطلقون على هذه المجموعات الإرهابية.
المشكلة هي أنه على الرغم من هذا الكم الكبير من الإرهاب اليهودي فإن هذا لم يؤثر في أخلاقيات كثير من الإسرائيليين الذين اتجهوا يميناً، بل توغلوا أكثر نحو دعم المستوطنين وحماية عنصريتهم.
أما الحدث الثاني، فهو رد بليغ على ادعاءات قيادة جيش الاحتلال بأن المسعفين الفلسطينيين لم يقدموا في حادثة وقعت جنوب الخليل الإسعاف لمستوطنين، وعلى الرغم من توضيحات الجانب الفلسطيني وتكذيبه الرواية الإسرائيلية وأن ظروف العمل الصعبة تعقِّد مهمّتهم وخاصة جراء اعتداءات المتطرفين اليهود، فإن المسعفين الإسرائيليين يتحدثون علناً عن رفضهم تقديم الإسعاف إلى المصابين الفلسطينيين حتى لو كانوا في وضع حرج.
في الجانب الإسرائيلي هناك تعمّد وسبق إصرار على اقتراف الجريمة واعتبار ذلك موقفاً يعبر عن ضمير... أي ضمير يمنع العلاج عن مصاب في رمقه الأخير، ولكن من الواضح أن هذه الجرائم ليست سوى تنفيذ لأوامر توجه إلى جنود الاحتلال في الميدان، ولكن الإعدامات أصبحت مبدأ أخلاقياً حتى عند المسعفين الإسرائيليين، لأنه ماذا يعني أن تترك جريحاً في الرمق الأخير يعاني وينزف رافضاً تقديم أي علاج له؟
إذن هذه المواقف تعبّر بصورة واضحة عن تفكير مجموعات ليست هامشية، كما يدّعي بعض قادة الاحتلال، ولكنها أصبحت تمثل عقيدة لعددٍ كبير من الإسرائيليين.. عقيدة ليس لها في قاموس الديمقراطيات أي وجود.. وإنما عقيدة فاشية تنظر باستعلاء للآخر الذي لا تريد وجوده على هذه الأرض.
-