نصر الله قيّد نفسه بالثأر لسمير القنطار

images
حجم الخط

 

 
 

بقلم: الون بن دافيد    
الاحتفال الذي بثه تلفاز "حزب الله" بعد تصفية سمير القنطار أمسك اسرائيل في لحظة مفاجئة. 
هنا كانوا مقتنعين بان القنطار، الدرزي الذي خرج إلى طريق "الارهاب" لخدمة الفلسطينيين، لن يحظى احد ما بمثل ما حظي من الاحترام – يومان من البث يكرسان له فقط.
في اسرائيل كانوا مقتنعين بأنه وإن كان القنطار رمزا، الا ان "حزب الله" لن يخرج عن طوره على تصفيته، فالدرزي الذي اصبح شيعيا وتزوج مع سُنية لم يلمع، على اقل تقدير، في خدمته في "حزب الله". فمعظم المشاريع التي كلف بها باءت بفشل ذريع، وتبين أن من يعرف كيف يحطم رأس طفلة صغيرة، وانهى لقبا جامعيا اثناء سجنه، لن يصبح دوما زعيما "ارهابيا" ناجحا.
في السنتين الاخيرتين بعد أن تبين أن الحديث يدور عن شخص ذي اعاقات واضحة، ابعد "حزب الله" القنطار من صفوفه وانتقل للعمل برعاية الإيرانيين. ولم يأخذ نصر الله ايضا المسؤولية عن افعال القنطار في الخطاب الذي القاه عشية دفنه. ومع ذلك، قيد نصر الله نفسه بالتزام الرد، والسؤال الان هو ليس هل، بل متى وكيف سترد المنظمة؟
من المعقول الافتراض انه منذ يوم الاحد يجلس رجال "حزب الله" مع المساطر كي يخططوا شدة الرد: ما الذي سيعتبر ردا مناسبا، محترما، ولكنه ليس ردا يلقي بمصيبة على لبنان؟ من غير المستبعد ان يكون من خلف كتف نصر الله يراقب الوضع الجنرال الايراني عيزادي، قائد جيش لبنان في الحرس الثوري، للتأكد من أنه خلافا للعام 2006 لن يجر "حزب الله" هذه المرة لبنان إلى حرب ليست ايران معنية بها. كما أن رجال المعسكر السني – المسيحي الذين يسمون جماعة "14 اذار" وكذا سكان جنوب لبنان اشاروا إلى نصرالله بانه ليس لهم أية مصلحة في جلب الخراب على بلادهم فقط من أجل الثار لدم قاتل درزي. ليس واضحا لماذا في موت قنطار قيد نصر الله نفسه بشخص لم يقدره في حياته.
في تقويمات الوضع التي أجرتها هيئة الاركان العامة، أول من أمس، طرحت كل جملة السيناريوهات: من عملية لـ "حزب الله"، لرفع العتب فقط، وحتى عملية تلزم اسرائيل بأن ترد هي ايضا بقوة. 
نصر الله نفسه يفهم أن منظمته لا يمكنها أن تفتح الآن جبهة جديدة مع اسرائيل. وأسياده الايرانيون يئسوا منذ الان من سورية، وسحبوا معظم قواتهم، بينما ذيلهم بين أرجلهم.
وإذا ما حاكمنا الامور من أحداث سابقة، فإن "حزب الله" سيبحث عن نقطة ضعف للجيش الاسرائيلي: رجل عسكري خرج وحده في سيارة للسفر على الجدار، الفني الذي يتسلق الهوائي لاصلاحه أو القافلة التي تنزل في وضح النهار من جبل دوف. 
ويحاول الجيش الاسرائيلي تقليص هذه الاهداف، ولكن التجربة تفيد بانه ستكون دوما سيارة ادارية تقوم بسفرية لا يعلم بها اي من القيادات الميدانية. وهذا بالضبط ما يبحث عنه "حزب الله".
يفهم نصر الله بانه في الميزان الحالي يوجد لاسرائيل تفوق. وحركة غير محسوبة من جهته ستجلب مصيبة على لبنان، وتضع علامة استفهام حول استمرار وجوده كقوة سياسية وعسكرية. هو الذي يقاتل رجاله ويُقتلون في لبنان، في سورية، في العراق، وفي اليمن، ليس جاهزا لمعركة اخرى.
ان من تباهى في الماضي بأنه يقرأ المجتمع الاسرائيلي ككف يده، يبدأ كل صباح بقراءة الصحف الاسرائيلية، ويعرف انه فقد هكذا. فمنذ حرب لبنان الثانية ينبغي الافتراض بان نصر الله لا يثق بنفسه بانه حقا يفهم المجتمع والقيادة الاسرائيلية. وهو يفهم بالفعل بان الحرب مع اسرائيل ستوقع مصيبة على لبنان وعلى بناها التحتية.
"حزب الله" اليوم هو التهديد العسكري الأهم على اسرائيل. يوجد حولنا وداخلنا "ارهاب". ولكن لا توجد قوة عسكرية واحدة تهددنا. ورؤيا "الصواريخ التي تصدأ" لمن كان في حينه رئيس الاركان واليوم وزير الدفاع، موشيه بوغي يعلون، كفيلة بان تتحقق الان. فالعالم العربي كله غارق في حروبه الداخلية، و"حزب الله" نفسه غارق حتى الرقبة.
نظام عربي جديد
يمكن منذ اليوم الاعلان عن نهاية 99 سنة من السيادة العربية في الشرق الاوسط. السعودية ومصر اللتان قادتاه منذ الحرب العالمية الاولى فقدتا قوتهما، واحتلت مكانهما دولتان غير عربيتين: ايران وتركيا، وهما اللتان تحددان النبرة وتمليان جدول الاعمال الاقليمي.
التقارير عن مصالحة اسرائيلية – تركية كانت سابقة لاوانها جدا. فقد سبق لاسرائيل أن وافقت في الماضي  على ان  تعتذر وان تعوض عائلات مصابي مرمرة، ووافق الاتراك على الامتناع عن رفع الدعاوى ضد المقاتلين الذين شاركوا في العملية، ولكن العقبة الكأداء بقيت الطلب التركي رفع الحصار عن غزة.
تركيا قوة عظمى اقليمية، ولا ينبغي الاستخفاف بها، ولكن لا يوجد ما يدعو إلى الانبطاح أمامها. فليس مؤكدا على الاطلاق بانه يمكن حقا اعادة البناء مع أنقرة طالما كان يحكمها رجب طيب اردوغان. وعندما يتفرغ رئيس وزراء اسرائيل عن الانشغال بالفواتير التي رفعها وعن العثور على الاماكن التي خزنت فيها الهدايا التي تلقاها، يجدر به أن يحسب مسارا  جديدا في كل ما يتعلق بالاتراك.
من جنوب تركيا وعلى طول شمال سورية، العراق، وايران، توجد أمة غير عربية تتكون من اكثر من 30 مليون نسمة. ومنذ خمسين سنة والاكراد يظهرون الولاء لدولة اسرائيل. 
90 كيلو مترا تفصل بين اكراد سورية واكراد العراق لخلق تواصل اقليمي يسمح باقامة دولة كردية. على اسرائيل أن تكون هناك، رغم أنف الاتراك.
هم أمة حديثة، متساوية ومع أنهم يعانون منذ سنوات من انشقاق في القيادة، فانهم حلفاؤنا الطبيعيون في الشرق الاوسط الجديد. الاكراد هم القوة البرية الوحيدة التي وقفت امام "داعش" وانتصرت. وقيادة اسرائيلية اكثر شجاعة كانت ستبني لهم دولة. 
تتصرف اسرائيل كمن لا تفهم قوتها الحقيقية في المنطقة. فلم تتبق هنا الكثير من القوى ذات الاهمية، وفقط اذا ما عرفنا كيف نسمو فوق الانشغال بالطعنة اليومية، سنكتشف شرقا اوسط مفتتا، يمكن لاسرائيل ان تأخذ مكانا مركزيا في اعادة تركيبه. والثقة بالنفس التي يولونها لنا في التصفيات وفي الهجمات في سورية كانت جديرة بان تؤثر ايضا وراء المصلحة الامنية الفورية لنا.
من أجل اظهار هذه المناعة هناك حاجة أولا إلى القضاء على الشر في اوساطنا، ويخيل اننا بدأنا هذا الاسبوع بالعملية اللازمة. 
التوثيق المهم لرجال حماس اليهود والذي جلبه روعي شارون في القناة الـ 10 عطل بقدر كبير الحملة من أجل "الابناء الطاهرين" الذين يتواجدون في التحقيق لدى المخابرات. عندما يكون الاخوة يشبهون "داعش" اكثر مما يشبهون اليهود من الصعب مواصلة قول الناس بعضهم لبعض. فالتحقيق في العملية في دوما يتقدم، وسيؤدي إلى لوائح اتهام، وإلى ادانات ايضا.
إذا ما عرفنا كيف نبني مناعتنا الداخلية ونعطل التهديدات من الداخل، فسنتمكن ايضا من ان نصبح قوة مؤثرة ومصممة للمنطقة. هذا ليس أمرا عاطفا وهو لن يكون هكذا ايضا، ولكننا ملزمون بالحفاظ على تفوقنا الاخلاقي، وهو الذي سيمنحنا القوة لنواجه هذا الحي ايضا.
عن "معاريف"