وأفضل أوقات التذكير بالحكمة هو عند غياب العقل وارتفاع منسوب فقدان الأمل بالحلول وطغيان العنف والقتل المتبادل في هذا الصراع. القتل في صفوف الفلسطينيين والإسرائيليين لن يحل الصراع. الدائرة المغلقة للصراع بكل الأدوات باتت غير مجدية رغم أن كل الخسائر البشرية على الطرفين منذ نكبة 1948 لم توصلنا إلى حل للصراع، لكننا، في كل جولة للقتال نخسر نحن الفلسطينيين مزيدا من أس القضية الأهم، وهو الأرض، ويتآكل هذا "الأس" بمرور الوقت، وجولات الحروب المتكررة، وانكشاف الثقافة والعقلية الإسرائيلية المتخلفة عن استغلال فرص السلام، وظهور فصائل وأحزاب فلسطينية وغياب فصائل وأحزاب وجماعات جربت حظها في النضال بثقافة وعقلية قاصرة عن كيفية استغلال فرص السلام أيضاً لم تحسم هذا الصراع سواء تراكمياً أو في ضربة واحدة كما جربت الجيوش العربية من قبل أن تغادر مسرح معاركها الحربية مع إسرائيل، فكيف هو حل اللغز المحير المزمن لدينا بأننا نخسر في كل حقبة أرضاً جديدة من أرضنا ليصبح ذلك ثابتاً من ثوابت إدارة هذا الصراع وباتت قضيتنا خاسرة على الدوام؟ هذا الطرح ليس انهزامياً وليس رفعاً للراية البيضاء ولكن هو العقل الذي يجب أن يفكر بإمعان لماذا يحدث ذلك؟ ولماذا استمرارية المحاولات المجربة التي توصلنا كل مرة لخسارة الأرض؟ نعم جربنا محاولات السلام والمفاوضات نحن والعرب ونجح العرب وفشلنا نحن الفلسطينيين في ذلك، وتبع ذلك مزيدا من الإضعاف للفلسطينيين، ووضعنا في الكونر دائماً رغم استمرار صمود شعبنا وعدم الاستسلام ولكن عدم الإستسلام هذا لم يحرر أرضنا وأقصى ما أنجزناه هو أقرب لكانتونات فلسطينية محاصرة أكثر مما كان أيام الإحتلال والحديث هنا عن قيام السلطة الوطنية الفلسطينية وكيف ازدادت معاناة الفلسطينيين وانقسموا في نكبتنا الثانية، وتغيرت مجمل عناصر البيئة المحيطة باسرائيل عما كان أقل تعقيدا من ذي قبل، أيام كان العرب والفلسطينيون سوية يحاولون هزيمة اسرائيل أو صنع السلام معها، وفشلنا هو نتيجة رئيسية لنكوص اسرائيل المحتلة لكل الأرض عن طريق السلام العادل، أو حتى الممكن، وأيضاً سوء إدارة الحالة الفلسطينية داخليا وخارجياُ وهو سبب آخر يضاف لسياسة الإحتلال. ما العمل؟ ولأن العالم كله وقرارات الأمم المتحدة ومبادرات السلام العديدة منذ العام 1948 والحروب العربية الإسرائيلية ومقاومة ونضال الشعب الفلسطيني المستمرة لم تفلح جميعها في إنهاء الصراع وإنصاف أصحاب القضية ولم تحرز سلاما ولو مؤقتا للجميع وبات من المؤكد استمرار هذ الدائرة المغلقة التي لم ولن توصل لحلول. أوجه السؤال التالي للفلسطينيين والإسرائيليين لعلهم يستخلصون العبر وهو : كيف نفهم معادلة؟ " أن الفلسطينيين صامدون، متماسكون، رغم خسارتهم المتواصلة للأرض لب الصراع وكل تلك المعاناة الطويلة وضعف إمكانياتهم وفقرهم وبؤس وعجز ميزانيات وعيشهم على المساعدات منذ العام 1948 " فهم لم يرفعوا الراية البيضاء" ومازالوا يحاولون؟ وكيف أن الإسرائيليين "فاقدون أمنهم" باستمرار رغم انتصاراتهم واستيلائهم على كل الأرض الفلسطينية وعظم إمكانياتهم العلمية وغناهم الفاحش دون عجز في ميزانياتهم منذ العام 1948 وكل محطة فجأة يفقدون أمنهم؟
الإجابة على هذا السؤال تقفز لتقول: ليس بالقتل والدمار ومصادرة الحقوق يمكن أن يحل الصراع ويستتب الأمن والرخاء للطرفين وللمنطقة والعالم، وإذا لم تتغير ثقافة الجميع وأولهم الاسرائيليين الباحثين عن الأمن دون إمكانية، بل واستحالة، تحقيقه،بهذه الثقافة منذ زمن طويل مضى ولزمن أطول سيمضي ..
تغيير الثقافات المزمنة لطرفي الصراع هي الطريق للسلام و حل الصراع بعد فشل كل المبادرات وفشل الأمم المتحدة وفشل الحروب والقتل المتواصل في صفوف الجميع.