يديعوت : لنتعاون معهم، شرط ألا ننسى من هم!

ناحوم-برنياع.jpeg
حجم الخط

بقلم: ناحوم برنياع

 



قصة عن "رزق" يهوديين أميركيين، احدهما جارد كوشنير، مستشار وصهر الرئيسي السابق ترامب، والآخر ستيفان منوتشين وزير المالية في إدارته. لقد أعاد تغير الإدارة الأميركية الرجلين الى السوق الخاص. أقام كل واحد منهما شركة ذات اسم رنان – "أفينتي" في حالة كوشنير، "ليبرتي" في حالة منوتشين – وخرجا لجمع المال في السوق المالية. من استجاب لهما؟ صندوق استثمارات المملكة السعودية. المبالغ لا بأس بها: تلقى كوشنير من السعوديين ملياري دولار؛ أما منوتشين فاكتفى بمليار.
توجد للصندوق السعودي لجنة استثمارات تضم في عضويتها اقتصاديين أغنياء في التجربة، بعضهم سعوديون، وبعضهم من الغرب. وحسب نبأ نشر في "نيويورك تايمز" في الأسبوع الماضي، أوصت اللجنة بعدم الاستثمار في شركة كوشنير. والمبررات: هو عديم التجربة؛ المال السعودي سيكون مسؤولا عن أغلبية الاستثمار والمخاطرة؛ أداء الشركة فاشل، والعمولة التي تأخذها مبالغ فيها، والعلاقة مع كوشنير من شأنها أن تضر بالعلاقات العامة للمملكة. حول منوتشين، الذي كان في الماضي احد نجوم "وول ستريت" أوصت اللجنة بالإيجاب.
يقف على رأس الصندوق محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي للسعودية. في غضون أيام اتخذ في مجلس الإدارة قرار بإعطاء كوشنير الملياري دولار التي طلبها. حتى من ليس خبيرا في الشؤون المالية كان يمكنه أن يفهم المنطق: هكذا يعترف الحكام في الشرق الأوسط للأجانب الذين وقفوا الى جانبهم في الماضي؛ هكذا هم يستثمرون في الحكام في المستقبل. إذا ما عاد ترامب وكوشنير الى البيت الأبيض فإنهما سيتذكران من احسن لهما. ويتعلق الرهان الذي أخذه الأمير بالأفق السياسي لكوشنير وليس بأفقه المالي. الأفق السياسي في أميركا يساوي المليارات. هذا ما يفهمه الأمراء ويصعب على خبراء الاستثمار فهمه.
ليس الفائزان فقط يهوديين حميمين. هما مؤيدان علنيان متحمسان لدولة إسرائيل. علاقاتهما بالأمير كفيلة بأن تدفع مسيرة التطبيع بين السعودية وإسرائيل الى الأمام. يمتنع بينيت ولابيد عن الحديث علنا في هذا الموضوع، ولكنهما في أحاديث مغلقة يوليانه أهمية هائلة. فهما مقتنعان بأنه إذا ما قررت السعودية السير في أعقاب الإمارات والبحرين والوصول الى اتفاق علني مع إسرائيل، فسيتغير الشرق الأوسط وستتغير مكانة إسرائيل فيه. حتى هنا الجانب الإيجابي.
في الجانب الأقل إيجابية، السعودية دولة ظلامية وفاسدة. حاكمها عديم اللجام. مزاجه متقلب وخطير. الصفقات التي ينسجها تنز عنها رائحة شديدة من الفساد. روى لي احد الأميركيين الذين التقوا ابن سلمان انه سأله لماذا يسمح لنفسه بأن ينفق مئات ملايين الدولارات على رسومات لا تتحدث إليه، أو على يخوت تبحر فارغة. فأجاب الأمير: "أنا افعل هذا لأنني استطيع".
تمتلك إسرائيل كل الأسباب التي في العالم كي تعمل مع أردوغان، السيسي، ابن زايد، ابن سلمان وحكام آخرين في المنطقة. فخلق جبهة إسرائيلية سُنية موحدة ضد إيران حيوي لأمن الدولة، وربما لمجرد وجودها. كل هذا بشرط واحد – ألا ننسى للحظة ما هو الطابع الحقيقي لهذه الأنظمة. ما هو جيد لجارد كوشنير ليس جيدا بالضرورة لدولة إسرائيل. يجب أن نعمل معهم؛ محظور ان نتبنى أنماط سلوكهم.
هكذا مثلا، تدير إسرائيل منظومة علاقات مركبة مع قطر. من جهة، المال القطري يساعد إسرائيل في تهدئة رياح الإرهاب في غزة (يتباهى بينيت في أنه في ولاية حكومته لم يعد المال ينقل بالحقائب، نقدا. صحيح أن المال لا ينقل نقدا، ولكنه يواصل التدفق للأيادي ذاتها بوسيلة أخرى). من جهة أخرى، تساعد قطر منظمات الإرهاب ضمن أمور أخرى من خلال بث "الجزيرة". الكل مشارك في هذا العمل بما في ذلك الإيرانيون. رجال أعمال إسرائيليون، بينهم ضباط من الجيش الإسرائيلي سابقا، نشطاء جدا في عالم الظلال القطري. يمكن أن نفهم لماذا يهتم القطريون بهم ولكن ماذا يقول هذا عن أنماط سلوكنا.
يتذكر القدامى بيننا منظومة العلاقات المثمرة لإسرائيل مع الشاه الإيراني. كان هناك من سافر الى طهران بالبزة الرسمية، بتكليف من الدولة، وعاد من هناك أكثر من مليونير. كما أن العلاقات مع الكتائب المسيحية في لبنان تمتعت في البداية بصورة بطولية ورومانسية لم يكن لها أي صلة بالواقع. خدع قادة الكتائب الاسرائيليين. قال احد قادة الجيش الإسرائيلي في حينه: لأجل رشوة جنرال تايلاندي هناك حاجة لمليون دولار؛ تكفي لرشوة جنرال إسرائيلي وجبة حمص في جونيا".
احد تطلعات الصهيونية من بدايتها، كان الانخراط في الشرق الأوسط؛ ليس في الضائقة وفي القمع لكن في الرحلات في الميدان، سيرا على الأقدام؛ بالملابس؛ بالموسيقى؛ بالسلام، إذا كان ممكنا. هذا التطلع لا يزال موجودا: لا يوجد ما هو اكثر إيجابية منه، لكن ليس بنهج كوشنير.

عن "يديعوت أحرونوت"