بعد ان استطالت العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا الى اكثر من خمسين يوما بين الاتحاد الروسي وحلف الناتو بقيادة الولايات المتحدة ، خليّق التعرض لأربعة ابعاد : ماذا حصدت ؟ آثارها على روسيا والغرب بشكل خاص وعلى العالم بشكل عام ، ديناميتاها المتوقعة ، اسقاطاتها على العرب وفلسطين .
ماذا حصدت ؟
بات من نافل القول التطرق للعوامل التي دفعت القيادة الروسية لهذا القرار الاستباقي، وكذا الحال الأهداف التي حددها القائد الروسي بوتين في خطابه الأول ... فمن جهة تم حماية الدونباس من مذبحة جماعية بعد ان حشدت أوكرانيا اكثر من 100 الف جندي على الحدود بما فيها عشرات الالاف من المتطرفين ( النازيين الجدد) اذ جرى تكبيد هذه القوات خسائر كبيرة واجبارها على التقهقر بما ضاعف من مساحة الجمهوريتين الشعبيتين (دونتسيك ولوجانسك) وهي اراضٍ روسية قبل مئة عام بما يشكل نحو 35 الف كم2 6% من مساحة أوكرانيا أي مساحة فلسطين التاريخية مره وربع المرة. وآخر الانتصارات تحرير معظم ماريوبل وميناءها فلم يتيق سوى المنطقة الصناعية والمعارك في الدونباس لن تسكت مدافعها الا بعد دحر ما تبقى من القوات الاكرانية التي لم تنفك تسيطر على مساحات واسعة وصولا الى الحدود الإدارية .
وكتحصيل حاصل سيطرت القوات الروسية على بحر آزوف ومن المرجح ان تمتد لميناء ومدينة اوديسا (مليون نسمة ) مركز صناعي واغلبية سكانها ناطقون بالروسية وبذلك تعزل أوكرانيا عن البحر الأسود بما يحرم البوارج الامريكية من منفذ بحري لأوكرانيا ، تزامناً مع ذلك ربما تتقدم نحو مقاطعة خاركوف (1.5 نسمة غالبيتهم من أصول روسية هي اكثر مركز اقتصادي وثقافي وعلمي قريب من الحدود الروسية ، وبذلك لا يتبقى من المدن الكبيرة سوى العاصمة كييف.
وكلما تقدمت القوات الروسية ميدانيا انما تقصّر الطريق نحو التسوية السياسية . ومن غير المتوقع ان تتبدل دراماتيكيا المعطيات على الأرض رغم كل الدعم العسكري الغربي المتنوع للجيش الاوكراني والكتائب النازية . يمكن إطالة الحرب ومضاعفة الخسائر من الطرفين أما تغيير ميزان القوى فهذا متعذر . إذ ان الجيش الروسي متفوق في كافة الميادين رغم اعتراف منسق حلف الناتو ان الحلف يدرب ويسلح ويموّل الجيش الاكراني منذ 2014، دون ان يثبت هذا الجيش قدرته على الصمود ولو في معركة واحدة علماّ ان 10% فقط من الجيش الروسي يشاركون في العملية الخاصة ، ناهيكم ان سلاح الجو الروسي لم يتدخل الا على نطاق محدود وصواريخ س 400 وس500 في المخازن والكثير من ا لمنظومات العسكريه فضلا ان روسيا ليست بحاحة لاستخدام الصواريخ النووية الاستراتيجية التي أصبحت في حالة تأهب و( موجهة نحو واشنطن ونيويورك وليس كييف) الفيلسوف الكساندر دوغين .
ولو افرط زيلينسكي في الصراخ لن يشارك حلف الناتو مباشرة في الحرب، ذلك ان الحرب في هذه الحالة تنتقل الى نووية تنهي الحضارة الإنسانية . فالدول العظمى والكبرى لا تنتحر من اجل وكيل محلي مهما عظم شأنه وتدرك معنى "الردع المطلق" فيما بينها. فأقصى ما يمكن الحصول عليه هو استمرار الدعم المتنوع من الغرب وظهور بايدن يوميا على شاشات التلفزة معلنا ارسال شحنات عسكرية جديدة ومليارات جديدة لكييف، وهذا حال أوروبا ... اما الفيلق الدولي من المرتزقة فمحكوم عليه بالموت الجماعي شأن النازيين الجدد، والنموذج هو ماريو بول. فالروس عازمون على الانتصار ليس على أوكرانيا بتوجهاتها النازية وتطلعها للانضمام للحلف الأطلسي فقط بل وعلى الهيمنة الامريكية ، فالحرب لديهم ( حياة او موت ) لافروف.
وقد تجلى بسفور ان روسيا دولة عظمى لا يجرؤ حلف الناتو على مواجهتها عسكريا، اما امتداده في شرق أوروبا فهو بلا شك تعزيزاً لوزنه وتطمينا لحلفائه ويمهد لنصب صواريخ نووية على حدود روسيا الغربية، بما سيدفع روسيا لنصب صواريخ نووية مقابلة .انها لعبة عض أصابع دون ان ترقى لإشعال النار النووية .
********
بلا ريب ان للازمة الأوكرانية تأثيرات عديدة، يمكن التعريج لما هو جوهري في البعد الاقتصادي .
اجل ثمة اضرار اقتصادية سواء على روسيا او على الغرب والعالم . فالحرب التي أعلنتها العواصم الغربية على موسكو بما يسمى خمس او ست حزم من العقوبات التي شملت إخراجها من نظام التحويلات النقدية سويفيت ومقاطعة بعض صادراتها وتجميد نحو 300 مليار$ من أموالها سواء كانت للقطاع الخاص او للبنك المركزي ووقف عمل استثمارات الكثير من الشركات الغربية في روسيا ووو ... قد عاد بخسائر جدية على موسكو. ناهيكم عن الحرب الإعلامية الاشبه بطوفان من الاخبار التضليلية التي شاركت فيها وسائل الاعلام الغربية وتوابعها في ارجاء العالم وصولا لإغلاق وكالات الانباء الروسية وحجب محتواها ... وهندسة عقول البشرية بما يخدم السردية الغربية وشيطنة روسيا وتشويه ثقافتها وسمعة جيشها .
ومن جانب آخر ثبت بالملموس ان أوروبا المستورد الأول للصادرات الطاقية الروسية من غاز ونفط، غير قادره على الاستغناء عنها ، بل لقد ارتفع سعر الغاز 10% والنفط اكثر من 25% وبلغ التضخم في أوروبا وامريكا حتى اللحظة نحو 10%. صحيح ان نسبة من التضخم في روسيا ، كما ان الروبل خسر في البدايات 40% من قدرته الشرائية ، غير ان قرار اعتماد الروبل في المبادلات التجارية الخارجية أعاد له عافيته وقلص من نسبة التضخم. وروسيا شرعت في توسيع السوق الداخلية وفتح أسواق خارجية جديدة كما إدارة الشركات الغربية التي أوقفت نشاطها... الخ .
لكن من المتوقع ان ترتفع أسعار المواد الغذائية في السوق العالمية ، مثلما من المتوقع ان تشهد أسواق بعض بلدان الجنوب نقصاَ في وارداتها من القمح والذرة والشعير والسماد ، وهذا ما يفسر زيارة وفد من الخارجيات العربية لموسكو ارتباطا بتقلص الواردات من روسيا وأوكرانيا ( تشكلان معا اكثر من 25% من الإنتاج العالمي )
المعطيات كثيرة هنا ، ولكن يمكن القطع ان المخطط الغربي سيما الانجلو ساكسوني الأمريكي – البريطاني لتدمير الاقتصاد الروسي قد اخفق شر اخفاق، ويمكننا المتابعة في الأسابيع المقبلة لمعرفة فيما اذا كانت الخسائر الاقتصادية هي الأكبر على روسيا ام على أوروبا وامريكا. فالسوق الروسية واسعة ومتنوعة كما ان ثمة تبادل تجاري متنامي وبمئات المليارات مع الصين والهند (35% من سكان الأرض) وكذا ايران وبلدان عديدة في أمريكا اللاتينية وافريقية وأسيوية وعربية ...
والشعاراتية الامريكية ان لدى أمريكا قدرة على تعويض الطاقة الروسية لم تثبت مصداقيتها ناهيكم ان أسعار الغاز المسال هو اضعاف الغاز الروسي وتوجه أمريكا لفنزويلا وايران هو فرصة لهما لرفع العقوبات عنهما دون المساس بالتدفقات الروسية( روسيا اكبر منتج للنفط والغاز).
ورداً على الحاح بايدن وتلميذه المستجد زيلينسكي أن على أوروبا مقاطعة الطاقة الروسية صرح المستشار الألماني (هذا مستحيل) وشيء مشابه أعلنته فرنسا وإيطاليا وهنغاريا وصربيا والنمسا ... فالمصانع والمواصلات والتدفئة والانارة تحركها الطاقة لا الشعارات .
اما عن الخسائر العسكرية والبشرية فهي كبيرة، وبداهة انها لدى الاوكرانيين اعلى بثلاث او اربع مرات عن روسيا ، وهذا ما يفسر تقهقرهم ميدانيا بعيداً عن الفبركات الإعلامية ، اخذين بالحسبان ان القصف الروسي يستهدف اول ما يستهدف القدرة القتالية ، والقياديه ومنظومات الصواريخ والطائرات وخطوط القتال وليس الثكنات العسكرية . وكما أشار الرئيس بوتين ( اننا شعب واحد) ومن هنا انتشرت الممرات الآمنة ومقولة ( القوا سلاحكم وعودوا لمنازلكم ) ولئن كانت المجموعات المتطرفة اكثر عناداً فهل يستمر زيلينسكي بالقتال من اجل القتال وانه صدق ان الجيش الاوكراني يحقق الانتصارات ولماذا لا يتجاوب مع مساعي اخراج المتطرفين من المنطقة الصناعية في ماريوبل ، بدل ان يحكم عليهم بالإبادة الجماعية ، وماذا يقلق أمريكا البعيد ه والاتحاد الأوروبي لو سفكت المعارك المزيد من دماء " الشعب الواحد" ألم تكن روسيا وأوكرانيا بلداً واحداً والتزاوج بينهما بالملايين ؟!