هارتس : احتواء التصعيد: احتمال الانفجار لا يزال عالياً

عاموس-هرئيل.jpg
حجم الخط

بقلم: عاموس هرئيل

 


إطلاق الصاروخ من غزة في مساء يوم الإثنين، الذي قطع أكثر من نصف سنة من الهدوء في الجنوب وتسبب بمشاعر من الفرح الكبير لدى جزء من مؤيدي بنيامين نتنياهو، ما زال لا يشكل انعطافة في التصعيد المتواصل بين إسرائيل والفلسطينيين. بقدر انطباعنا فإن إسرائيل ما زالت تحاول استيعاب الواقع الأمني المتوتر، وحتى الآن هي لا تعد الأرضية لعملية عسكرية في غزة.
هذا يحدث لأن الحكومة الحالية، مثل سابقاتها، تتصرف حسب لائحة أسعار غير رسمية إزاء «حماس» في القطاع. يتم نفي هذه الحقيقة بشكل علني لكنها معروفة للجميع. ميري ريغف التي كانت في وقت ما وزيرة كبيرة في حكومات نتنياهو قالت ذلك بزلة لسان خاطئة في مقابلة إذاعية قبل ثلاث سنوات تقريباً. «ماذا لو أطلقوا صواريخ على عسقلان؟»، تساءلت. والحقيقة هي أنه توجد فجوة كبيرة في مجال ردود إسرائيل، التي هي مرتبطة ليس فقط بمسألة المصابين بل بمكان الإطلاق.
تعرف حماس جيداً أنه من ناحية الحكومات المتعاقبة في القدس فإن حكم عسقلان ليس مثل حكم تل أبيب. إطلاق صاروخ على بلدات غلاف غزة يمكنها من إعطاء رد ضعيف، أما إطلاق النار على غوش دان فإنه على الأغلب يقود الى رد أشد. تختار إسرائيل في الحالتين أن تكون مصغية أكثر لتفسيرات حماس ومبرراتها، بشأن الصواريخ التي أطلقت بدون سيطرة، سواء بسبب عاصفة برق أو تماس كهربائي أو بسبب تصرف ذاتي لفصيل فلسطيني «مارق». لذلك، قام سلاح الجو في الفجر بقصف موقع عسكري منعزل لحماس بصورة رمزية، وفي إسرائيل أملوا أنه بذلك انتهت الجولة في القطاع (مثلما هي الحال دائماً فإن الخطاب الرسمي كان أكثر هجومية).
الانتقاد في هذا الشأن من قبل الليكود هو انتقاد غير جدي. حتى في فترة نتنياهو أُطلقت صواريخ وإسرائيل لم تظهر خطاً حازماً أكثر إزاء حماس. في المقابل، رد رئيس الحكومة نفتالي بينيت كان صبيانياً الى حد ما. لا توجد جدوى من العد المفصل للعمليات التي وقعت في فترة سلفه، ربما هذا من نوع الحالات التي يفضل فيها ببساطة التجاهل.
تقدير الاستخبارات أمس كان يقول بأن المسؤول عن الإطلاق كما يبدو هو «الجهاد الإسلامي» أو نشطاء من داخله. منذ بداية موجة الإرهاب الحالية قبل شهر طُرحت إمكانية أن يقوم «الجهاد» بالرد بعملية إطلاق من غزة، بالأساس كلما زاد عدد القتلى (من بينهم نشطاء كبار في الجهاد) في المواجهات مع الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية. الاستنتاج المقبول في اسرائيل هو أن حماس تكبح المنظمة الإسلامية الأصغر منها ردا على ضغوط تستخدمها عليها المخابرات المصرية. الإطلاق في ليلة أمس يدعو الى التشكيك في هذه الفرضية. من المحتمل أن حماس ستطلق العنان للجهاد أو حتى ستتعمد استخدام نيرانه كإشارة تهديد لإسرائيل.
بالإجمال، الوضع الامني المتوتر بقي على حاله، في كل ساحات النزاع الفلسطيني، بدون اشارات لانعطافة حاسمة، للافضل أو الاسوأ. الامكانية الكامنة للانفجار بقيت مرتفعة، ايضا بسبب خطوات اسرائيل. فبعد كل حادث في القدس يهدد عضو الكنيست إيتمار بن غفير (الصهيونية الدينية) بنقل مكتبه المتحرك، وهو حافز تصعيد ثابت، الى البلدة القديمة. وزير الدفاع، بني غانتس، صادق أمس على صيغة تسوية مع المستوطنين تمكن من مشاركة الآلاف في المسيرة الى المدرسة الدينية في البؤرة الاستيطانية حومش في الضفة الغربية. هذا حدث بعد يوم على تحذير قيادة المنطقة الوسطى للمنظمين من خطر أمني في القيام بالمسيرة في هذه الظروف.
بقي الحرم بؤرة رئيسية للقلق. ناقشت شرطة لواء القدس أمس طلباً للقيام بـ «مسيرة أعلام» اليوم في البلدة القديمة. الشرطة، التي بالاجمال تظهر هذه السنة بشكل عام ضبطاً للنفس وسيطرة على تصرفاتها في البلدة المركبة، تتعامل كل يوم مع استفزاز جديد لأحد الطرفين. يؤثر التوتر في الحرم على علاقات إسرائيل مع الدول المجاورة. في إسرائيل اعتادوا على وجود فجوة بين الأقوال التي يقولها الزعماء العرب في الغرف المغلقة وبين الإدانات العلنية، ولكن في هذه المرة ذهب رئيس الحكومة الأردنية، بشر الخصاونة، خطوة أخرى ابعد من ذلك عندما شجع راشقي الحجارة الفلسطينيين في القدس. اضطر بينيت بصورة استثنائية الى إدانة أقوال نظيره الأردني.
باستثناء القدس، حيث هناك يشارك أحياناً في العنف مئات المتظاهرين (جزء منهم عرب إسرائيليون، أعضاء الجناح الشمالي في الحركة الإسلامية)، فإن المواجهة لا تجر الجمهور الفلسطيني. في الجيش وفي الشاباك يتابعون هوية منفذي العمليات. في معظمهم ما زالوا حتى الآن «ذئاباً منفردة»، لكن هناك أيضاً دلائل أولية على انضمام نشطاء من منظمات للمقاومة المسلحة لدخول الجيش الإسرائيلي الى المدن والى مخيمات اللاجئين في الضفة.
في هذا الشأن يجدر الانتباه أيضا الى ما يحدث في «فتح». الذراع العسكرية للتنظيم أعطى رعايته لعدد من جنازات القتلى في جنين، وفي «فتح» لم يتنكروا حقاً من والد المخرب الذي قتل ثلاثة إسرائيليين في عملية إطلاق النار في تل أبيب، الذي هو شخصية رفيعة سابقة في أجهزة الأمن الفلسطينية. أيضاً في اجتماع غرفة العمليات المشتركة لمنظمات «الإرهاب» في القطاع في الأسبوع الماضي شارك بصورة استثنائية ممثل عن «فتح». كل ذلك إشارات مقلقة، تشير الى أن السلطة الفلسطينية بدأت تتحدث بصوتين.

عن «هآرتس»