تجنب الفلسطينيون على مدار سنوات الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي الوصول إلى الصراع الديني، وحاولوا الإبقاء عليه كصراع سياسي قومي يتعلق بالأرض والسكان والحق بتقرير المصير للشعب الفلسطيني؛ هذا النوع من الصراع يتيح المجال للتحكم بمداه ودرجات احتدامه، ويتيح إمكانية التوصل إلى اتفاقيات بين الأطراف تحقق السلم والأمن وتطلعات الشعوب بالعيش بكرامة وحرية عبر ممارسة حق تقرير المصير وإنهاء السيطرة الاستعمارية.
وبالرغم من استمرار الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بمحاولاتها إحكام السيطرة على مدينة القدس منذ اليوم الأول لاحتلالها عبر سياسات وإجراءات تعسفية متعددة، وممارسة التطهير العرقي للمواطنين الفلسطينيين "المسيحيين والمسلمين" لتهويدها، إلا أن طبيعة الصراع بقي سياسياً قومياً دون أن يخلو من نفحات دينية. لكن في السنوات الأخيرة، مع تعزيز أحزاب اليمين الصهيوني الديني وجودها في الحكومة الإسرائيلية، أخذ طابع الصراع الفلسطيني يتحول من الصراع السياسي إلى الصراع الديني من خلال محاولة السيطرة على الأماكن الإسلامية المقدسة وفي مقدمتها المسجد الأقصى ذي المكانة الرفيعة في المعتقدات الدينية للمسلمين، والطبيعة الأكثر حساسية لدى الفلسطينيين ما يزيد من حدّة الصراع ويفتح ساحات صدام مستمرة.
الخشية لدى الفلسطينيين من التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى وصحن قبة الصخرة تقترن بأدلة مؤيدة لها ناجمة عن الإجراءات الإسرائيلية الفعلية المتعلقة بثلاثة حقائق رئيسية ماثلة أمام الفلسطينيين، الأولى حالة الحرم الإبراهيمي الذي أجرت سلطات الاحتلال الإسرائيلي فيه تقسيما زمانياً ومكانياً منذ العام 1972 ورسخته في العام 1995، حيث سيطر اليهود على حوالي 60% من مساحته، كما يمنع على الفلسطينيين من التواجد داخله كلياً في عشرة أيام من السنة، ويمنع في كثير من الأحيان رفع الأذان فيه.
أما الثانية حرمان الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة من حرية الوصول إلى الأماكن الدينية المقدسة لدى المسيحيين والمسلمين سواء في المسجد الأقصى أو كنيسة القيامة للصلاة فيهما من حيث المبدأ وهي عقوبة منافية لحقوق الإنسان الأساسية وفقا للمواثيق الدولية. وأما من حيث الاستثناء تقوم سلطات الاحتلال بالسماح " أي تخفيف العقوبة لحظياً" لبعض سكان الضفة الغربية من الوصول للمسجد الأقصى في شهر رمضان لكبار السن، أي من هم فوق سن خمسين عاماً، الذين يشكلون فقط حوالي 11% من الذكور في الضفة الغربية و6% من الذكور في الضفة والقطاع.
والحقيقة الثالثة تتعلق بالتقسيم الزماني للمسجد الأقصى بحيث تحاول سلطات الاحتلال فرض أوقات تواجد المسلمين في المسجد وباحاته وافراغهما في أوقات محددة من الساعة 07:30 حتى 11:00 صباحا، وفي فترة الظهيرة من الساعة 1:30 حتى 2:30؛ لتخصيص هذه الأوقات لصلاة اليهود. أو حرمان المسلمين مستقبلاً من التواجد في المسجد الأقصى في الأعياد اليهودية وأيام السبت التي تبلغ 150 يوماً في السنة (أي حوالي نصف ايام السنة). أما التقسيم المكاني فقد حددت سلطات الاحتلال ممرات لزيارات المستوطنين يؤدون صلوات لهم مما تشكل تمهيدا للتقسيم المكاني بانتظار الوقت الملائم لتجسيده في المسجد الأقصى؛ كما حدث في الحرم الابراهيمي بمدينة الخليل.
هذه الخشية المبنية على الأدلة والحقائق مقرونة بوقائع يومية؛ كقيام سلطات الاحتلال وشرطته في الأيام الأخيرة بقمع وملاحقة المصلين والمعتكفين في المسجد الأقصى في أوقات الصباح لمنعهم من التواجد في أوقات اقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى ما تؤكد سياسات الحكومة الإسرائيلية لتحقيق سعيها للتقسم الزماني. الأمر الذي يحول طبيعة الصراع الفلسطيني والإسرائيلي من صراع سياسي إلى صراع ديني مفتوح يجعل فرص الوصول إلى اتفاقيات لإنهاء الصراع وتحقيق الأمن والسلم الإقليميين معدومة وغير قابلة للتحقق.