الحق على الحمار

حجم الخط

السفير منجد صالح

 

 

 بعد البحث والتحرّي والتقصّي والتدقيق والتمحيص و"التحميص" على نار هادئة، وبعد  "التحميل والتنزيل"، في موضوع الحادث العرضي الطارئ الذي تعرّض له الكاتب، لم يتم لا التوصّل ولا الوصول إلى نتائج حاسمة، وكأن الحقيقة "فصّ ملح وذاب"، أو كأن الحقيقة "إبرة تاهت في كومة قشّ".....

وبناء عليه وكنتيجة إصلاحية تمّ "تذييل" ملف الوقائع والأحداث بعبارة: "الحقّ على الحمار!!".

وحتى يبان الحمار "موت يا حمار" كما يقول المثل الشعبي؟؟!!

المهم أنّ هذا العنوان يُحيلني مباشرة ودون مواربة ولا "زيك زاك" إلى كتاب المُفكّر الفتحاوي الفلسطيني الكبير خالد الحسن أبو السعيد رحمه الله وأسكنه فسيح جنّاته، كتاب "يوميّات حمار وطني" البديع في الفكر السياسي والوطني، والذي تُرّجم إلى اللغة الإنجليزية.

خالد الحسن كان من أهم المُنظّرين لفتح وللثورة الفلسطينية، وكانت تربطه صداقات وعلاقات قوية مع السعودية والمغرب والكويت، وهو أحد بُناة دولة الكويت الحديثة وحصل على جنسيتها تقديرا لخدماته الجليلة والقيّمة للبلاد، كما حصل على الجنسية المغربية وعاش في المغرب سنيّ حياته الأخيرة.

تشرّفت وطنيا وشخصيّا بقربي من الرجل ومواكبته في مراحل ومواقف.

كان لأبي السعيد موقف واضح وحاسم من احتلال صدام حسين للكويت، فقد عارضه بشدّة.. وقال لي يوما في معرض حديثه عن احتلال الكويت: "ان جماعتنا لايعرفون ماذا يصنعون، احتلال صدام للكويت سيكلّفنا نحن الفلسطينيون غاليا.. وهكذا كان وحصل.

ومع كل هذا الموقف الوازن المؤيّد للكويت وضدّ صدام حسين إلا أن الحكومة الكويتية عاقبته وعائلته بسحب الجنسية الكويتية منهم!!!!!!!!!  

كان لي شخصيّا ووطنيا شرف القرب من هذا المفكر العملاق، في عدة مواقع ومراحل ومواقف وزيارات في تونس وفي دول أمريكا اللاتينية وخاصة في كوبا والبيرو.

الرجل مدرسة سياسية ووطنية وعالمية وعروبية بإمتياز.

كان الرفاق في الاتحد السوفييتي السابق عندما يُريدون  مشورة أو رأيا سديدا، فقد كانوا يطلبونها من أبي السعيد وليس من نايف حواتمة الاقرب لهم عقائديا وأيديلوجيا.

وقد صاحبته في هافانا على مدى أيام في سلسلة اجتماعات مع القيادة الكوبية، مع قيادات في الحزب الشيوعي الكوبي ومع مسؤولين كبار في الدولة الكوبية ومع سفراء كوبيين حضروا خصّصيصا للسماع منه والإستفادة من تجربته النضالية.

أمّا أغرب وأظرف وأطرف موقف حصل أمامي وذكر فيه "الحمار" فقد كان في سبعينيّات القرن الماضي عندما ركّبوا لأوّل مرّة الاشارات الضوئية في شوارع عمّان العاصمة الاردنية.......

كُنّا مجموعة من المُشاة نقطع الطريق وسط عمّان من جهة الواجهة الزجاجية لمطعم جبري المعروض فيه أشهى أنواع الحلويات الشرقية من بقلاوة وبرمة وبلّورية وكنافة، إلى الجهة المقابلة التي يعلوها ويمتطيها مقهى السنترال الشهير.

سيل المركبات الهادر من علٍ كان مُتدفّقا إلى وسط المدينة.

كان من بين المشاة الذين يقطعون الطريق ويسيران إلى جانبي أبٌ يمسك بيد ابنه الصبي الصغير.

ويبدو أن الصبي الصغير من هول اللحظة قد اختلّ توازنه ودار حول نفسه  وافلتت يده من يد والده، فصرخ عليه أبوه قائلا:  "وينك هات ايدك امسك بي .. يا حمار يا ابن الحمار.. يعني لو دعستك سيّارة ومُتت كان انبسطت!!!!!.

بدأت أحملق في الرجل وأنظر بشفقة إلى الصبي "الملبّك"، .. يعني لو مات كان انبسط، كيف يمكن تركب هذه؟؟؟؟!!!!!!!

دقّقت في الصبي الصغير وقد بدأ يجهش بالبكاء، وقلت في نفسي أكيد أنّ الصبي ليس حمارا، ولكن أكيد أنّه "ابن حمار"!!!!!"

كاتب ودبلوماسي فلسطيني