الناخبون الأميركيون في خوف لم يعيشوه من قبل

حجم الخط

بقلم : مارك بن 

 

 

في مفارقة نادرة، بدا الناخبون الأميركيون غير راضين عن قيادتهم السياسية، وبدوا أيضاً غارقين في المخاوف بشأن الأمن الاقتصادي وأمن الحدود والأمن الدولي وحتى الأمن الجسدي. فمن دون تحول جذري من إدارة بايدن، سيؤدي هذا الخوف إلى موجة انتخابات مثل تلك التي جرت في عامي 1994 و2010، مما يؤدي إلى سلسلة من ردود الفعل التي يمكن أن تحول مجلسي النواب والشيوخ إلى سيطرة الجمهوريين في نوفمبر (تشرين الثاني)، وفي النهاية الرئاسة في عام 2024.


لو أخذنا الاقتصاد على سبيل المثال، وهو نذير نتائج الانتخابات في كثير من الأحيان، فمنذ أواخر عام 2017 حتى تفشي الوباء، اعتقد غالبية الأميركيين أن الاقتصاد كان قوياً، ومن عام 2014 حتى الوباء، اعتقد عدد كبير منهم على الأقل أن وضعهم الاقتصادي الشخصي يتحسن. قلص «كوفيد - 19» بحدة من شعور الرفاهية، وكان يُنظر إلى هذا في البداية على أنه وضع مؤقت، وتدفقت تريليونات الدولارات لإبقاء الناس واقفين على قدميهم. ولكن بعد ذلك ضرب تضخمٌ كبيرٌ المستهلكين لأول مرة منذ 40 عاماً. وحسب استطلاع «هاريس» الذي أُجري في الفترة من 20 إلى 21 أبريل (نيسان)، فإن 60% من الناخبين الآن يرون أن الاقتصاد ضعيف ويقول 48% إن وضعهم المالي يزداد سوءاً.
يتمتع الكثير من الأميركيين الذين تقل أعمارهم عن 60 عاماً بخبرة قليلة نسبياً في أي شيء باستثناء تكاليف الوقود المنخفضة نسبياً وأسعار الفائدة التي لا تُذكَر واستقرار الأسعار. وبين عشية وضحاها تقريباً اهتزت هذه الافتراضات، حيث وافق 35% فقط على طريقة تعامل الرئيس بايدن مع التضخم.
هذه الضربات الاقتصادية ليست سوى عنصر واحد في مجموعة متتالية من المشكلات التي تأتي جميعها في توقيت متزامن.
فهي تجمع بين المخاوف النووية في الخمسينات والستينات من القرن الماضي وخطر التضخم في السبعينات، وموجة الجريمة في الثمانينات والتسعينات، والتوترات بشأن الهجرة غير الشرعية في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين وما بعده. لم يتسبب ذلك في استياء الناخبين فحسب، حسب الرئيس جيمي كارتر، بل تحول إلى شرخ وطني عميق جاهز للانفجار كالقنبلة في الانتخابات المقبلة إذا لم تتحرك القيادة لتخفيف الضغط.
إن عودة الخوف من الجريمة أمر مقلق، خصوصاً بالنسبة إلى الديمقراطيين الذين أمضوا سنوات في محاولة السيطرة على شعبية الجمهوريين بشأن هذه القضية. في عام 1991 كان معدل جرائم القتل 9.71 لكل مائة ألف. وعندما كان بايدن عضواً في مجلس الشيوخ، صاغ مشروع قانون مكافحة الجريمة الفيدرالي الرئيسي من الحزبين، والذي يُنسب إليه الفضل في الحد من العنف في أميركا، ولكنه يتعرض اليوم لانتقادات من أولئك الذين يجادلون بأنه أدى إلى معدلات سجن غير عادلة، لا سيما في المجتمعات الملونة. سينخفض معدل جرائم القتل إلى 4.44 لكل 100 ألف في عام 2014. كانت المخاوف بشأن السير في الشوارع وركوب المترو أقل حدة بين الأجيال الجديدة، ومع ذلك فإن هذه الشوارع نفسها والمواصلات الجماعية يعتريها الخوف مرة أخرى؛ حتى رئيس هيئة النقل الحضرية في منطقة نيويورك جادل بأن الخوف من الجريمة والتشرد كان وراء انخفاض بنسبة 36% في عدد الركاب بين ديسمبر (كانون الأول) 2021 ويناير (كانون الثاني) 2022.
استخدم الرئيس دونالد ترمب الهجرة بشكل فعال كإسفين لكسب ناخبي الطبقة العاملة. وحسب استطلاع «هاريس» في أبريل، في عهد بايدن، يعتقد 59% من الناخبين أن لدينا حدوداً مفتوحة «بشكل فعال»، وبالنظر إلى الوراء، فإن الكثيرين يدعمون بعض سياسات الهجرة الخاصة بترمب. لا يتلقى بايدن سوى 38% من الموافقة على سياسته المتعلقة بالهجرة، وهو تصنيف منخفض بشكل مقلق للحزب الديمقراطي (كانت النسبة في عهد الرئيس باراك أوباما 29% بشأن الموافقة على سياسة الهجرة قبل مسح منتصف المدة لعام 2010).
أصبح الأمن القومي أقل وضوحاً بالنسبة لغالبية الأميركيين مقارنةً بسنوات الحرب الباردة وبعد 11 سبتمبر. فنادراً ما نوقشت السياسة الخارجية في المناقشات الرئاسية المحدودة لعام 2020. واليوم، ظهر الخوف من صراع القوى العظمى والأسلحة النووية بطرق لم نشهدها منذ الحرب الباردة. ومع اجتياح فلاديمير بوتين أوكرانيا، واختبارات الصواريخ الباليستية الجديدة، وإشارة بوتين الصريحة إلى استخدام الأسلحة النووية والعواقب «غير المتوقعة» لمعارضته، احتل الخوف من الأسلحة النووية المرتبة الأولى. ويأتي الخوف من الأسلحة النووية الآن في المرتبة الثانية في القضايا التي تقلق الناخبين بعد آثار التضخم.
لمواجهة العبء الذي يسببه الخوف للناخبين -ما أُطلق عليه «مؤشر الخوف»- سيتعين على بايدن التحرك ببعض الأساليب الكبيرة والجريئة. وفي مواجهة الإنفاق الجامح في التسعينات، اقترح الرئيس بيل كلينتون ميزانية متوازنة، وهي سياسة لا يزال يفضّلها 80% من الناخبين، وفقاً لاستطلاع «هاريس» الذي جرى في أبريل الجاري، لكنه فعل ذلك بطريقة لا تزال قادرة على تمويل استحقاقات مثل الضمان الاجتماعي. إن الدفع بخطة سياسية كبيرة مدتها سبع سنوات من هذا القبيل قد يعني إيجاد تخفيضات في الميزانية في مكان آخر لدفع ائتمان ضريبي دائم للأطفال، بدلاً من زيادة الضرائب، والإنفاق بالعجز، والذي من المرجح أن يتسبب في انخفاض التكاليف على الأميركيين متوسطي الدخل من خلال التضخم. إن موازنة الميزانية من شأنه أن يغيِّر المحادثة حول الاقتصاد.
الاستمرار في السماح لأسعار الغاز بالارتفاع سيضر بالديمقراطيين في الاقتراع المقرر في الخريف، حيث يحتاج الحزب إلى سياسة طاقة جديدة ومخففة تتضمن انتقالاً أكثر تدريجياً إلى أنواع الوقود البديلة وتقديراً لاستقلالية الطاقة.
في المناظرات الرئاسية، وعد بايدن بالانتقال إلى «الطاقة المتجددة بمرور الوقت»، رغم أنه أشار إلى أنه لن يحاول حظر التكسير الهيدروليكي. لكن في أول موجة من الأوامر التنفيذية، أعطى بايدن للجمهور الانطباع بأنه أكثر جرأة بكثير في تفضيل سياسات تغير المناخ، على الرغم من أنه أثار غضب النشطاء منذ ذلك الحين من خلال التراجع عن وعد بمنع عمليات حفر جديدة في الأراضي العامة. سيحتاج إلى التحول إلى نهج الطاقة «كل ما ورد أعلاه» وإعطاء الضوء الأخضر لـ«خط أنابيب» كيستون، والذي يفضله حالياً ما يقرب من 80% من الناخبين، وفقاً لاستطلاع «هاريس».
تخسر إدارة بايدن أيضاً في المجالات المتأرجحة المتعلقة بالهجرة، كما يتضح من تسعة أعضاء ديمقراطيين في مجلس الشيوخ و«تحالف حل المشكلات» في مجلس النواب الذي أعرب عن تحفظاته بشأن خطته لإلغاء «القانون رقم 42»، القانون الذي سنّته إدارة ترمب خلال حقبة «كوفيد» لاعتراض المهاجرين وإعادتهم إلى أوطانهم دون اتّباع الإجراءات القانونية الواجبة.
الجواب هو الحفاظ على القيود الحدودية المتعلقة بـ«كوفيد» وإحياء محاولة إيجاد حل وسط حقيقي مع ما لا يقل عن 10 أعضاء جمهوريين في مجلس الشيوخ بشأن الهجرة والتي من شأنها أن تتبنى وضع حاجز أكثر صرامة وفرض إجراءات إنفاذ لإغلاق الحدود، وأيضاً فتح الهجرة القانونية وتمهد الطريق للمواطنة لمن ينطبق عليهم «القرار المؤجل لوصول الأطفال».
يخشى الناس من التعرض للإرهاق المالي، أو التعرض للإصابة أو التهديد من المجرمين، أو الوجود في بلد بلا حدود قوية أو حماية المهاجرين من «كوفيد»، والتعرض لتهديد الأسلحة النووية. إذا لم يتمكن بايدن والقادة الديمقراطيون من معالجة هذه المخاوف بشكل فعال، فستضربهم موجة الانتخابات في نوفمبر، وسيواجه الرئيس بعد ذلك خياراً واقعياً إما بتمرير العصا إلى مرشح آخر في عام 2024 وإما إيجاد القيادة الجريئة اللازمة للتوافق مع سياسات أكثر تقدمية ذات حقائق اقتصاد وسياسة وعالم أكثر خطورة.
عن"نيويورك تايمز"