الثورة الفلسطينية بين الماضي والحاضر

صالح النزلي
حجم الخط

­مرت القضية الفلسطينية بالعديد من التطورات الاقليمية والمحلية والدولية التي أثرت بالقضية الفلسطينية ككل، حيث لم تنصف الأمم المتحدة حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره واكتفت بالتوصية في قرارها رقم 194 الصادر في 11/12/1948 بوجوب السماح بالعودة للفلسطينيين الراغبين بذلك ، وبقى الشعب الفلسطيني لاجئاً يتنقل بين أقطار العالم ، باحثاً عن ثورة تنهي معاناته وتشرده .

وقد شكلت انطلاقة الثورة الفلسطينية في الفاتح من يناير للعام 1965 ، تحولاً نوعياً في الصراع ليعلن الشعب الفلسطيني للعالم بأسره رفضه البقاء تحت الاحتلال وتصميمه على الكفاح من أجل استرداد وطنه عبر الكفاح المسلح كطريق وحيد لتحرير الأرض ، وانطلقت القوات الفلسطينية ضاربةً عمق الاحتلال من خلال بعض الأقطار العربية المحاذية التي استولت اسرائيل على جزء من أراضيها مؤكدةً في نفس الوقت أن ضرباتها ستتوالى للرد على أي جريمة يقترفها الاحتلال في الوطن العربي وليس فلسطين فحسب ، وعندما تم اجبار القوات المسلحة على مغادرة الأراضي الأردنية عام 1970 واللبنانية عام 1982 لم يتبقى لديها قواعد عسكرية يمكن أن تقوم من خلالها بعمليات نوعية .

وأمام هذا لم يقف الشعب الفلسطيني عاجزاً بل انطلقت انتفاضة الحجارة ليؤكد الشعب الفلسطيني رفضه كافة المؤامرات على قضيته العادلة وحقه في استرداد وطنه المسلوب ، وينتقل مركز الكفاح الفلسطيني للضفة الغربية وقطاع غزة ، وبدأت القوات الفلسطينية في تنفيذ العمليات النوعية التي أرهقت الاحتلال ، وشكل النمو المتعاظم للقوات المسلحة تهديداً صريحاً لدولة الاحتلال ودشنت الثورة الفلسطينية وحركة فتح مرحلة جديدة من النضال وفترة وضاءة من التاريخ الثوري ، ولم تنجح كافة المؤامرات والتخاذل العربي في ثني الكفاح الفلسطيني وتصفية الأهداف الأساسية ، بل عكست عظمة القضية الفلسطينية ومنجزاتها التي حققها شعبنا بصموده وبتضحيات أبناءه .

وقد شكل اتفاق "أوسلو" منعطفاً هاماً في تاريخ الشعب الفلسطيني ، أعلنت من خلاله منظمة التحرير وقف الهجمات ضد اسرائيل ، وانسحاب اسرائيلي من غزة وأريحا وتسليم سلمي للسلطة الفلسطينية ، ورغم كافة المأخذ على هذا الاتفاق الا أن إسرائيل لم تلتزم به قطعياً ، واستمرت اسرائيل في اجراءاتها الهمجية المتطرفة بحق المقدسات ، ورفض الشعب الفلسطيني دخول شارون للمسجد الأقصى المبارك وبدأت شرارة الانتفاضة بالإشتعال بأوامر مباشرة من الرئيس الراحل ياسر عرفات ، واستمرت فتيلة الانتفاضة مشتعلة وبدأت الفصائل الفلسطينية في تنفيذ عملياتها ضد الأهداف الإسرائيلية ، ليشهد العالم على بسالة الشعب الفلسطيني في نضاله ورفضه الممارسات القمعية التي طالت البشر والحجر ، واستمرت جرائم الاحتلال تتوالى على شعبنا في كافة أماكن تواجده من عمليات اغتيال وقصف للمنازل واستهداف كل ما هو فلسطيني وحصار للرئيس الراحل ياسر عرفات في قرار إسرائيلي للتخلص منه لدعمه واشرافه المباشر على العمليات النوعية ضد المحتل وباعتقاد اسرائيلي أن التخلص من عرفات سينهي انتفاضة الأقصى المباركة ،واستمرت الفصائل بسواعد مقاتليها في توجيه الضربات التي أوجعت الاحتلال وأعلنت إسرائيل في حينها عن انسحاب أحادي من قطاع غزة في العام 2005 ، واستمرت هذه الانتفاضة مشتعلةً وضاءة وفي تطور مستمر من حيث القدرات والامكانات بتلاحم كافة الفصائل الفلسطينية .

حينها شعرت اسرائيل بأنها في مأزق وبدأت في بث سمومها داخل البيت الفلسطيني ، الا أن جاء الانقسام الفلسطيني بين حركتي فتح وحماس ، ليشكل الانقسام خنجراً مسموماً لانتفاضة الأقصى ، وبدأت الانتفاضة تقل حدتها مع مرور الوقت .

وأمام تعثر عملية السلام والجرائم المتتالية بحق الشعب الفلسطيني انطلقت انتفاضة القدس في العام 2015 التي أشعل فتيلها الشاب مهند الحلبي بانتفاضة شعبية عارمة ، استخدم خلالها الشعب الفلسطيني كافة الوسائل الممكنة من عمليات الدهس والطعن التي شكلت مأزق إسرائيلي جديد وخلقت حالة من الرعب والهوس لدى المجتمع الاسرائيلي .

وما تزال انتفاضة القدس أو الهبة الشعبية في بداياتها وأوجها، وتقع على الفصائل الفلسطينية مسؤوليات كبيرة لإدارة هذه الانتفاضة وانجاحها ، الا أن عوامل الانجاح ما زالت غير مؤهلة ، ومع دخول الثورة الفلسطينية عامها الواحد والخمسون يترتب على كافة فصائل المقاومة أن تنبذ خلافاتها فما زال الدم ينزف من خاصرة الوطن ، ولازال العدو يمارس أبشع أنواع العربدة بحق الأطفال والنساء والشيوخ ، ففلسطين أسمى من هذه الخلافات وتحتاج للمزيد من التضحيات ليبقى الكفاح المسلح هو عنوان الشعب الفلسطيني لتحرير أرضه ووطنه.