من ثورة البراق إلى الإنتفاضة الثالثة

ناجي-شراب.jpg
حجم الخط

بقلم:د. ناجى صادق شراب


مكونان ثابتان في الهوية الوطنية الفلسطينية :القدس والمسجد الأقصى" ، هوية الشعب الفلسطيننة التاريخية والدينية والوطنية تتجسد فيهما. ولعلنا اليوم نستدعى ثانية ثورة البراق وما تشهده القدس من تطورات وإعتداءات متتالية من قبل المستوطنيين والجيش الإسرائيلي لمصادرة الأراضي وتدمير المنازل وتهجير سكان المدينة ، فالذي يجري مجرد غطاء لأولوية إسرائيلية كبرى بغلق ملف القدس والسيطرة الكاملة وطي ملف القضة كلها وتحويل رواياتها الدينية إلى حقائق مسلم بها. وطمس كل حق للشعب الفلسطيني في مدينته. وثورة البراق والتي جاءت ردا على حركة "بيتار" الصهيونية اليمينية المتطرفة والتي سيرت مسيرة ومتظاهرين يصيحون "الحائط لنا". وينشدون نشيد الحركة الصهيونية وبحماية من قوات الإنتداب البريطاني. وفي اليوم التالي 5-9-1929، هب الشعب الفلسطينى وحدثت إشتباكات عنيفة وامتدت لمدن فلسطينية أخرى ، وكانت النتيجة وهذا هو المهم، أن تم تشكيل لجنة دولية من قبل عصبة الأمم لتؤكد في تقريرها أن للمسلمن وحدهم حق ملكية الحائط الغربي . ومنذ ذلك التاريخ والشعب الفلسطيني مقاومته ونضاله مستمرا رافضا لكل سياسات التهويد والمصادرة التي تقوم بها إسرائيل . وكانت حرب 1948 التي احتلت بعدها القدس وحرب 1967، لتكمل إحتلالها للقدس الشرقية وتبدأ سياسات الإستيطان والتهويد للقدس. ولتتوالى مقاومة الشعب الفلسطيني فكانت الإنتفاضة الأولى في 9-12-1987 واستمرت حتى 1993 بتوقيع إتفاقات أوسلو، وقدر من استشهد فيها 1300 فلسطيني مقابل مقتل 160 إسرائيليا، وقد تكون الأطول في التاريخ الفلسطيني، وعرفت بإنتفاضة الحجارة أو اطفال الحجارة . ومن أبرز تداعياتها بروز حركة "حماس" ودورها، وعودة القيادة الفلسطينية إلى غزة أولا . وتشكيل السلطة الفلسطينية والدخول في مسار التفاوض. وجاءت الإنتفاضة الثانية أو إنتفاضة الأقصى بعد سبع سنوات من فشل المفاوضات وزيادة درجة الإستيطان والتهويد والإذلال التي مارستها إسرائيل ضد المواطن الفلسطيني. وكانت الذروة بدخول شارون رئيس وزراء الاحتلال انذاك بحماية جنوده ،باحات الأقصى لتندلع الإنتفاضة في 28-9-2000، وكان للرئيس الراحل ياسر عرفات دور القيادة ودفع ثمنا لها حياته، ولتنتهى نهائيا بتوقيع إتفاق هدنة بين الرئيس محمود عباس المنتخب وشارون في شرم الشيخ، وراح ضحيتها 4412 فلسطينيا و48322 جريحا مقابل 1069 إسرائيليا عسكريا ومدنيا، و4500 جريح . وابرز ما ميز هذه الإنتفاضة البعد العسكري المسلح، أي الإنتقال من الحجارة إلى البندقية. ويعتبر الطفل محمد الدرة أيقونة هذه الإنتفاضة والذي أعدم برصاص القوات الإسرائيلية وهو يحتمي في حضن والده خلف حائط اسمنتى. وتميزت بتنفيذ العديد من العمليات الإستشهادية وكان دور "حماس" واضحا في هذه العمليات. وإطلاق سراح 900 من الأسرى الفلسطينيين من اصل 7500 أسير داخل سجون الاحتلال . وإستئناف المفاوضات والتي لم تحقق أية نتائج، وزادت وتيرة الإستيطان والتهويد وسياسات القمع والقوة المفرطة. واستمرت المقاومة المتقطعة، مع التمسك بالمقاومة السلمية الشعبية كخيار بديل . ولعل من ابرز النتائج فيما بعد الانتخابات الفلسطينية 2006 وفوز حركة "حماس" وما تبع الفوز من إنقلاب الحركة وسيطرتها على غزة ليبدأ مسار جديد من خيار الحرب بين إسرائيل وغزة لتصل إلى أربع حروب آخرها ما عرفت بحرب "سيف القدس" والتي كانت القدس او حرب ال "11" يوما ومحاولة إسرائيل طرد سكان الشيخ جراح من منازلهم الدافع القوي لها. والتي من ابرز نتائجها زيادة العمليات الفردية المسلحة وزيادة عدد الشهداء الفلسطينيىن ومشاركة عرب الداخل ، وزيادة عدد القتلى من الإسرائيليين. وهنا التساؤلات من جديد هل يمكن أن تشهد الاراضى الفلسطينية انتفاضة ثالثة شاملة تذكرنا بثورة البراق؟ والتساؤلات أيضا عن أهدافها وآلياتها ؟ وكيف يمكن الجمع بين الإنتفاضة وبقاء السلطة ؟ وما هي ابرز المعيقات والإشكاليات المتوقعة؟ ابتداء الحديث عن الإنتفاضة يعني إنطلاقها من الضفة الغربية وهذه أول الإشكاليات والتحديات، فكيف يمكن لإنتفاضة ان تندلع في ظل السلطة ؟. وهذا قد يخلق حالة من التناقض والتصادم. والإشكالية الثانية الكبيرة الإنقسام السياسي الفلسطيني وفجوة الخلافات وعدم الثقة بين "فتح" السلطة و"حماس". فمن شأن الإنقسام ان يجعل من الإنتفاضة وكأن هدفها السلطة وليس إسرائيل. والإشكالية الثالثة أن بيئة الإنتفاضتين الأولى والثانية الداعمة عربيا ودوليا وكيف رأينا في الإنتفاضة الثانية الدعم الشعبي العربي والدعم المالي . هذه البيئة لم تعد قائمه بتراجع القضية الفلسطينية ومعاهدات السلام العربية الجديدة مع إسرائيل ولقاءات التنسيق المشتركة والتي تعني ان إسرائيل لم تعد العدو. والإشكالية الرابعة هي الإشكالية الإسرائيلية ذاتها والحكومة اليمينية التي ترفض حتى الإعتراف بإحتلالها وترفض قيام الدولة وتتبنى الخيار الإقتصادي في الضفة وغزة. وتبقى الإشكالية الخامسة الحرب الأوكرانية وإنشغال العالم بها .
كل هذه الإشكاليات والمعيقات لا تمنع الشعب الفلسطيني من مقاومة الاحتلال والنضال لإنهائه وقيام دولته، فلا يوجد شعب يقبل أن يعيش تحت الاحتلال. وهذا يتطلب توفر مقومات لها أولها إنهاء الإنقسام وإجراء الانتخابات لتشكيل مؤسسات الدولة وتشكيل حكومة وحدة وطنية وتفعيل مؤسسات منظمة التحرير والإتفاق على رؤية وطنية للمقاومة السلمية الشعبية. وبدون ذلك ستكون أي إنتفاضة وحراك ضد نفسها وقد ندخل في نفق من الخلافات الفلسطينية التي تفقد القضية الفلسطينية مكانتها كقضة شعب تحت الاحتلال .