قشرة الهدوء التي عبرت في السنوات الأخيرة على فلسطين اتضح أنها قشرة رقيقة وبالغة الهشاشة، غبار هش وخادع تماماً، السياسات التي انبنت على تلك القشرة تتفكك تحت أقدام أصحابها وتتكسر بين أصابعهم، سواء في المشهد السياسي الفلسطيني والإسرائيلي أو في حسابات قوى الإقليم.
بالغت نزعة الاحتلال التي تتحكم في إسرائيل بثقتها في نجاح سياسات القهر بمستوياتها في مناطق الـ48 والضفة الغربية والقدس، العنصرية الإسرائيلية المتدرجة من اللد إلى النقب، ومن حيفا إلى وادي عارة، في الخليل جنوباً إلى جنين في الشمال، وصولاً إلى غزة المحاصرة منذ عقدين، وبالغ الخائفون، عرباً وفلسطينيين، في تقدير حصانة دولة الاحتلال وتصديق روايتها عن نفسها.
ليس ثمة «هدوء»، وليس ثمة غضب عابر ينفجر في نوبة ليعود إلى سكونه، الأمر أعمق من ذلك بكثير، إنه يعود دائماً إلى نواة الصراع ويعيد اصطفافه على ضوء النكبة نفسها.
أوهام السيطرة التي تسببت بها سنوات ترامب وأفراد أسرته وفريقه المتطرف تركت أثرها على كل شيء تقريباً، حجبت عن دولة الاحتلال المشهد على الأرض، وعوضت الواقع باستعادة الميثولوجيا المنتقاة، عززت وهم الفاشية الإسرائيلية حول نفسها ودفعتها أبعد في تطرفها وعنصريتها.
فائض القوة، ونزعة العنصرية، وفساد «نتنياهو» وعائلته، الأخلاقي والسياسي، وهيستيريا الدعم التي تدفقت من إدارة ترامب على «حكومة نتنياهو»، مراسيم ضم القدس والجولان وتشريع الاستيطان ومباركة نبيذ «بومبيو» في «بساغوت»، النفاق الغربي، البريطاني على وجه الخصوص، وضعف الموقف السياسي الفلسطيني والانقسام وعزلة السلطة وأخطائها، شكلت جميعها رافعة لفاشية الاحتلال وتغول عصابات الاستيطان، وجعلت من المستوطنين صناعاً للسياسة في إسرائيل، وجعلت من فاشي صغير مثل «بن غفير» بطلاً شعبياً في إسرائيل، بعد انتخابه وعصابته في الكنيست إلى جانب منصور عباس وحزبه ونظريته المترهلة.
منصور الذي أنقذ حكومة «بينيت/لابيد/غانتس» العجيبة، وبرّر قانون يهودية الدولة مقابل تمديد أسلاك كهرباء لثلاثة تجمعات بدوية غير معترف بها، يتهاوى الآن دون شبكة أمان.
لم يحصل على بطولة ما، لكنه عزز وهم الفاشية، وتم تسويقه كانتصار لنظرية «قهر الفلسطينيين» وتفكيك وطنيتهم، تماماً كما تم تسويق «اتفاقيات إبراهيم» كوسيلة ناجعة لإنهاء الصراع من دون الفلسطينيين.
منصور عباس و«اتفاقيات إبراهيم» هما الاختراق المزدوج، ائتلاف الهزيمة الذي حققه «نتنياهو»، اختراق بني على فكرة الهدوء التي جرى تسويقها وزراعتها في مخيلة الائتلاف الجديد.
«انظروا.. الأمر أبسط ممّا يبدو، لدينا الآن تحالف معلن من المنامة إلى الجناح الجنوبي للحركة الإسلامية في فلسطين، لم يحدث شيء الأمور هادئة».
ولكن فلسطين لم تكن هادئة وهي التي تقود الإقليم، تلك هي الحقيقة التي تصعد في السنوات الأخيرة وتتأكد كل يوم، الحقيقة التي تتراكم منذ النكبة.