حول تعدد الرايات في الأقصى .. وانسحاب الاحتلال عن البوابات

الأمين العام للمؤتمر الوطني الشعبي للقدس اللواء بلال النتشة.jpg
حجم الخط

بقلم : اللواء بلال النتشة


الأمين العام للمؤتمر الوطني الشعبي للقدس

ترك مشهد الاقتتال على "الرايات" في المسجد الأقصى المبارك، خلال الأيام الأخيرة وتحديدا بعد احياء ليلة القدر، حيث تم بثه عبر مواقع التواصل الاجتماعي ، الما في النفس وجرحا عميقا في الروح، فهو تعبير مكثف عن جهل أولا لمعنى الصراع مع الاحتلال ، وثانيا عن عقلية اقصائية ترفض الشراكة والعمل الوحدوي الذي من شأنه ان يؤدي الى الخلاص من الاحتلال. ولا اظن انه يوجد تفسير آخر لمن أراد ان يحتكر المسجد المبارك والرباط فيه وحمايته لصالح هذا الحزب او ذاك، وكأن الاخرين لا وجود لهم ولا يعنيهم المسجد او انهم مجرد استعراضيين امام كاميرات وعدسات الاعلام .
هذا "الصراع" ان جاز التعبير، على رفع الرايات الخضراء او الحمراء او الصفراء باستثناء العلم الوطني الذي كان بالكاد مرئيا، يذكرنا بالمشهد المقيت الذي ساد في بدايات انتفاضة الاستقلال والاقصى عام 2000، حيث كان الكل يتبارى في "سوق عكاظ" كي يظهر بطولته ويستعرض حضوره في ساحة المواجهة الامر الذي أدى الى انتكاسة دفعت بأصحاب الأقلام والضمائر الحية لقرع جدران الخزان والتحذير من ان الانجرار خلف الحزبية المقيتة مآله الفشل .
هذا بالضبط ما اعيد انتاجه وتكراره في ساحات الأقصى المبارك عندما كان ما لا يقل عن 200 الف فلسطيني داخل الحرم يهتفون ضد العدوان الإسرائيلي ورفضا للتقسيم الزماني والمكاني للمسجد واستباحته من قبل المستوطنين في رسالة بليغة بأن المسجد للكل الفلسطيني، غير ان قيام مجموعة من الشبان بخطف راية " العاصفة" وتمزيقها ومن ثم رايات اليسار الفلسطيني ،قدم صورة بشعة ومخالفة تماما للموقف الوحدوي الذي عبرت عنه حركة "فتح" – وهنا أتكلم بصفتي القيادية في الحركة التي انتمي اليها منذ 50 عاما ، وعبر بشكل مكثف عن عقلية رافضة للعمل الوطني الوحدوي لحماية والدفاع عن الحرم القدسي الشريف الذي هو امانة في اعناقنا جميعا ومسؤوليتنا افتدائه بالأرواح بالإنابة عن الامتين العربية والإسلامية وحتى المطبعة منها مع دولة الاحتلال .
ولمن لا يعرف ، فقد راق هذا المشهد للمخابرات الإسرائيلية التي تراقب عن كثب ما يجري داخل المسجد ولديها تقدير موقف واضح جدا حول التحضيرات لإشعال فتيل اقتتال داخلي في اطار التنافس غير الشريف وغير المبرر، على من هو الأكثر حضورا في قلب الأقصى ؟ وهنا جاءت الأوامر لجنود الاحتلال بالانسحاب عن البوابات المؤدية الى باحات الحرم ما أدى الى تدفق آلاف الشبان الذين كانوا ممنوعين من الدخول وكان الهدف من ذلك "الاستمتاع بمشهد المجزرة التي كادت ان تقع بين الاخوة وأبناء الشعب الواحد المقتتلين على الرايات.!!!
لكن بعض العقلاء والشرفاء من أبناء الحركة الوطنية وفي المقدمة منهم أبناء حركة "فتح" – ليس تحيزا وانما حقائق موثقة بفيديوهات مصورة - استدركوا المكيدة المحبوكة بدقة وتمكنوا من تفويت الفرضة على المتربصين بأبناء شعبنا والذين تمنوا لو ان مقتلة حقيقية وقعت في داخل المسجد تراق فيها الدماء في الشهر الفضيل بأيدي الاخوة . وهنا سيظهر للعالم ان من يريق الدماء هم الفلسطينيون انفسهم ولا علاقة للاحتلال بكل ما يجري من مجازر يومية في قلب الحرم القدسي الشريف . وحينئذ يا لها من رواية مخزية .
ان المسجد الأقصى له رمزية سياسية كبيرة فهو يعني السيادة الفلسطينية على القدس وبدونه لا معنى للمدينة المقدسة عاصمة للدولة الفلسطينية المستقلة، ونحن ندرك جميعا انه عندما يتقدم الصفوف او يتوسطها من يحملون فكرا غير ديني ويتوجهون الى المسجد للرباط فيه ، فهذا يعني ان الأقصى للجميع وهو اكبر وأسمى من كل الخلافات الحزبية والفئوية او افتعالها بداخله . ومن هنا فإن تعدد الرايات لا يخدم القضية الاستراتيجية والمركزية وهي حماية الأقصى ومنع الاستفراد الاحتلالي به اوتقسيمه زمانيا ومكانيا بما يؤدي الى وقوع حرب دينية تهدف اسرائيل من ورائها الى تحويل الصراع من سياسي على وطن مغتصب ، الى صراع على مكان مقدس بين متشددين من كلا الشعبين، مع تأكيدنا على ان المساس بالمسجد المبارك واسلاميته وعروبته وتاريخه العظيم ، يعني اشعال حرب إقليمية لا هوادة ولا مزاح فيها .
انني ومن موقع مسؤوليتي في اطار حركة "فتح" التي دفعت حياة زعيمها المؤسس ياسر عرفات ثمنا للصراع المستمر مع الاحتلال حتى زواله ونيل حقوق شعبنا كاملة غير منقوصة ، ادعو الى ان تكون الراية الوحيدة التي ترفع في المسجد الأقصى المبارك وفي جميع المواقع التي تشهد حراكا فلسطينيا شعبيا، هي "العلم الوطني" الذي يمثلنا جميعا وبلا استثناء سواء الفصائل المنضوية في اطار منظمة التحرير او من هي خارجها ، فالشعب الفلسطيني بوصفه "كتلة تاريخية تجمعها قضية مصيرية واحدة" ، يستطيع بلوغ النصر فقط بالوحدة الوطنية الحقيقية التي كرسها الزعيم الخالد الشهيد "أبو عمار" والشهيد " احمد ياسين" وتابع السير على ذات النهج الرئيس محمود عباس "أبو مازن" ، وبدون ذلك سنبقى في حالة من التشرذم والتشتت المنتفع الوحيد منها الاحتلال واعوانه واعداء الشعب الفلسطيني. اختم قولي بالتأكيد على ان الاختلاف في "التكتيك" أمر صحي وهذا موجود لدى كل أحزاب العالم، ولكن استراتيجيا الاختلاف جريمة . فلننتبه لذلك جيدا .
كل عام وانتم بخير واقصانا بخير ورايتنا الوطنية خفاقة في كل ربوع الوطن