الأحاديث التي صدرت عن الوزراء في إسرائيل حول فيلم "عرس الدم" مقرفة أكثر من الفيلم نفسه. تنبع الزعزعة من التمثيل. التمثيل المسيحاني، الذي يخرب صفوف مشروع الاستيطان، هذا المشروع الذي هو من انتاج الوزراء والرؤساء على مر الاجيال.
الشرطة مزعزعة. كل بداية شهر يقومون بـ"جولة الأبواب" في الحي الاسلامي في البلدة القديمة في القدس. ومن ينظم هذه الجولة هي جمعية "ال هار هامور" التي تطمح لبناء الهيكل. الجولة وبتواجد مكثف لشرطة اسرائيل لا تتم في قاعة مغلقة وكحدث خاص، بل حدث عام يتم بين المحلات الفلسطينية، حيث يرقص معتمرو القبعات البيضاء واصحاب السوالف – بالضبط كما في الفيلم – ويقومون بالضرب على الأبواب المغلقة.
حسب توثيق يعود لتشرين الاول فانهم يغنون اغاني مشابهة لتلك التي في الفيلم ("ليُحرق المسجد" و"انتقم من الفلسطينيين ليُمحى ذكرهم"). وفي الوقت الذي يغلق الفلسطينيون على أنفسهم في منازلهم يصرخ المستوطنون "الموت للعرب". والشرطة ليست فقط موجودة هناك، بل تمنع نشطاء اليسار من توثيق ما يحدث.
مقاطعة شاي مزعزعة. انها المقاطعة التي تغلق بشكل منهجي ملفات التحقيق حول العنف الاسرائيلي ضد الفلسطينيين. 91.4 بالمئة من 1104 ملفات تحقيق فتحت في اعقاب شكاوى فلسطينيين حول العنف ضدهم وضد ممتلكاتهم في السنوات العشر الاخيرة، والتي تتابعها منظمة "يوجد حكم" – قد اغلقت. من بين 940 من الملفات التي اغلقت 85 بالمئة اغلقت بسبب فشل تحقيق الشرطة. "المخالف للقانون غير معروف" في 624 ملفا. و"غياب الادلة الكافية" في 208 ملفات.
هل تريدون أمثلة؟ عشية عيد الفصح في العام 2011 قامت مجموعة من الاسرائيليين بالحاق الضرر ببروسلي عيد من قرية بورين جنوب نابلس. أطلق أحد الاسرائيليين النار وأصابه إصابة بالغة في يده اليمنى وبطنه. كان هذا هجوما واحدا من بين عدة هجمات هدفت الى منع سكان القرية من البناء في اراضيهم. ألقى الجنود الغاز المسيل للدموع على الفلسطينيين، الذين جاؤوا للدفاع عن قريتهم. تم توثيق الحادثة، ومن المعروف من أين جاء المهاجمون (بؤرة جفعات رونين)، لكن الملف أُغلق.
إليكم حادثة اخرى. في تشرين الأول 2011 عاد عدد من الاسرائيليين اليهود من "محاربين من اجل السلام" رافقوا فلسطينيين من قرية جالود في قطف الزيتون الاول منذ عشر سنوات. طيلة تلك السنين منعهم الجيش من العمل في اراضيهم من اجل منع الاحتكاك مع المسيحانيين في البؤر الاستيطانية في المنطقة (نار مقدسة وغيرها). اسرائيليون ملثمون في جنازة اسرائيلي مكشوف الوجه يلبس الملابس المدنية ومسلح، ظهروا وألقوا قنبلة صوت، وأطلقوا الرصاص في الهواء، وضربوا وأصابوا ثلاثة اسرائيليين وفلسطينيين. الجنود وحرس الحدود الذين كانوا في المكان اطلقوا الغاز المسيل للدموع وقنابل الصوت على الفلسطينيين. اغلق الملف رغم وجود اصابات في اوساط الاسرائيليين ووجود الجنود الشهود على الحادث.
ثقافة "الخارج على القانون غير معروف" و"غياب الادلة الكافية" ووجود جنود الجيش الاسرائيلي في الطرف المقابل، هي التي عززت اجواء "نفعل ما نريد ولن يحدث لنا شيء" كما بدت في الفيلم.
اليكم هذا التوقع: ايضا قضاة محكمة العدل العليا مزعزعون من الفيلم. اثنان من ثلاثة قضاة سمحوا، الأسبوع الماضي، لشاب اتهم بمهاجمة شاب فلسطيني بأن يستمر في القيام بمخالفة اخرى ضد فلسطيني آخر: الزراعة في ارض احد الفلسطينيين الخاصة، بموافقة محكمة العدل العليا. بعد أن سيطر عليها بخمس سنوات، تسفي ستروك، يستطيع الاستمرار في طرد فوزي ابراهيم من ارضه سنة اخرى.
لم يعد ستروك الارض في السنة التي مرت منذ ان سمحت له محكمة الاستئنافات العسكرية بفعل ذلك. إنه يطلب الآن من السلطات تصريحا لسنة اخرى من اجل أن يتم الاخلاء "بالطرق السلمية". ما الذي نسمعه هنا؟ تهديد واضح: اذا قاموا باخلائه مسبقا فلن يكون الامر سلميا. الوزراء والمسؤولون (الدولة والمحكمة العليا) سمعوا التهديد جيدا وخضعوا له.
بنيامين نتنياهو مزعزع وفي وزارة الدفاع كذلك. وبايحاء منهم فان عشرات الجرافات تستمر في اقتطاع الاراضي في عشرات القرى الفلسطينية من اجل بناء المنازل لليهود. اذهبوا الى "موديعين العليا" و"عالي زهاف" و"بركان" و"اريئيل". بدون رقص وبدون سوالف تفعل الدولة أكثر كثيرا مما يفعله الراقصون في "عرس الدم".
بفضل الوزراء تحولت الضفة الغربية الى بلاد الفرص غير المحدودة للاسرائيلي اليهودي المتوسط. هذا هو البديل لدولة الرفاه التي يولد فيها الشباب الراقصون وهم يحملون البنادق.
ولدت مسيحانيتهم من وسط الاستخفاف الاسرائيلي العلماني، والذي لا يتوقف تجاه القانون الدولي والعدل الاساسي اللذين يمنعان الاستيطان في الاراضي المحتلة. مسيحانيتهم تتغذى من الهدف السياسي المنهجي الذي يكمن في المشروع الصهيوني: افشال فرص العيش بمساواة وسلام مع الشعب الفلسطيني في هذه البلاد. يتغذى ويُغذي.
عن "هآرتس"