عملية «إلعاد»: ارتباك إسرائيلي وحسابات خاطئة

thumb (1).jpg
حجم الخط

بقلم أشرف العجرمي

 

 

 

هناك شبه إجماع في إسرائيل على أن العملية التي نفذها شابان من قرية رمّانة قرب جنين، في مدينة "إلعاد" التي تقع على بعد 25 كم شرق تل أبيب، وقتل فيها ثلاثة إسرائيليين وأصيب ثلاثة آخرون منهم اثنان لا يزالان في حالة الخطر، هي ضربة قاسية وموجعة لإسرائيل؛ لأنها جاءت في توقيت بالغ الحساسية، خاصة في ظل الاحتفال بـ"عيد الاستقلال" حسب التوقيت العبري، وحوّلت البهجة المفترضة إلى صدمة كبيرة، وحالة من اليأس والعجز التي لا تنفع معها كل الإجراءات الأمنية والعقابية في تفادي هذا النوع من الهجمات الفلسطينية الفردية والارتجالية. وخلقت العملية ردود فعل غاضبة جداً تميزت بالعنصرية الشديدة والتطرف ضد الفلسطينيين، وجزء منها كان موجهاً ضد حكومة نفتالي بينيت، التي اتهمت بالعجز والضعف من قبل الأوساط اليمينية الأكثر تشدداً في إسرائيل.
الارتباك الإسرائيلي جعل الأنظار تتوجه نحو غزة، تحديداً إلى يحيى السنوار قائد "حماس" في غزة، وحاولت أوساط عديدة تحميله المسؤولية عن العملية، وربط خطابه الأخير، الذي تحدث فيه عن المقاومة وضرورة أن يستخدم الفلسطينيون ما لديهم من وسائل (البندقية والساطور والبلطة) ضد إسرائيل، بالعملية، سواء من حيث التحريض والإلهام أو حتى المسؤولية المباشرة. وكثرت الدعوات لاغتياله، حتى أن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية بحثت هذا الخيار وتبعاته، قبل إلقاء القبض على منفذَي العملية. كما تم بحث خيار القيام بعملية اجتياح على غرار "السور الواقي" التي حصلت في جنين ومدن الضفة المحتلة. وكل ما نوقش، سواء في أوساط صنع القرار أو في وسائل الإعلام، ارتبط بمبدأَي الانتقام والردع، بعيداً عن البحث في جذور المشكلة ألا وهي الاحتلال وإجراءاته وسياساته.
بعد اعتقال الشابين منفذَي عملية "إلعاد"، بدأ نقاش آخر في إسرائيل، خاصة لدى الجهات الأمنية وجيش الاحتلال على وجه الخصوص، فقد تبين من التحقيق مع المعتقلين أنهما نفذا عمليتهما فقط رداً على ممارسات الاحتلال في الأقصى، دون ارتباط بأي جهة تنظيمية، ودون التأثر بخطاب السنوار أو أي موقف فصائلي معين. والآن يقولون: إن الحديث عن مسؤولية قائد "حماس" مبالغة خدمته وعززت مكانته في الشارع الفلسطيني دون أن يكون طرفاً في العملية. ويتركز الجهد الإسرائيلي القادم على ما يبدو في مجال الاستخبارات واستخدام السايبر لمتابعة ما يقولون: إنه "التحريض الفلسطيني على الإرهاب"، لأن الأجهزة الأمنية تعتقد أن وسائل التواصل الاجتماعي لها دور كبير في خلق التوتر وتحريض ودفع المواطنين الفلسطينيين للقيام بردود فعل عنيفة تجاه الإسرائيليين. وهناك تهديدات لمعاقبة الفلسطينيين اقتصادياً طبعاً، بالإضافة إلى استمرار عمليات القتل والاعتقال وهدم البيوت، والاستيطان ومصادرة الأراضي، ومجمل السياسات الاحتلالية المعتادة.
إخراج السنوار من دائرة المسؤولية عن عملية "إلعاد" لا يعني أن مناقشة وضع غزة وسيطرة "حماس" على القطاع، وإطلاق الصواريخ واحتمال المواجهة والحرب، قد وضعت جانباً، فهي قائمة طوال الوقت مع كل عملية تحدث وكل توتر في المسجد الأقصى والقدس المحتلة. ويجب ألا نستبعد القيام بعمليات اغتيال لقادة سواء في الوطن أو الشتات. فإسرائيل تتصرف كوحش جريح سيحاول ما يستطيع الانتقام وإيقاع الخسائر في العدو. وبحث موضوع الاغتيال كان موجوداً على طاولة صناع القرار قبل العملية الأخيرة وبعدها، والسؤال فقط مرتبط بالتوقيت والثمن الذي سيكون على إسرائيل دفعه مقابل تنفيذ تصفيات لقادة الفصائل.
كان يبدو الأمر أسهل لو استطاعت إسرائيل التأكد من وقوف جهة ما خلف العملية مثل حركة "حماس" أو "الجهاد الإسلامي" أو غيرهما، لأنها ستقوم برد فعل انتقامي ربما يشفي غليل المتطرفين الباحثين عن إراقة الدماء، وقد يجلب رد الفعل الإسرائيلي هذا هدوءاً إلى حين. ولكن عندما تكون المواجهة مع شعب بكامله ومع أشخاص لا تربطهم بالفصائل روابط تنظيمية من أي نوع، عندها تكون المواجهة أخطر وأصعب ولا ينفع معها أي رد فعل انتقامي، بل على العكس كل عنف إسرائيلي سيجلب ردوداً فلسطينية أكثر شدة وأوسع نطاقاً.
في كل موجة مواجهة مع إسرائيل تحاول الأخيرة البحث في سبل تحقيق الهدوء والسيطرة على هذه الموجة، وكل الجهات الإسرائيلية المسؤولة تعلم أن الموجة القادمة هي مسألة وقت ليس أكثر، وكل مواجهة جديدة تكون أعنف وأقسى وأشد ضراوة وتجبي أثماناً أكبر. ولكن لم يصل النقاش على أي مستوى إسرائيلي إلى بحث حل الصراع من جذوره. ويبدو أن إسرائيل تعايشت مع فكرة إدارة الصراع والاستمرار بالاحتلال، وتدمير فكرة قيام دولة فلسطينية مستقلة كوسيلة للتسوية السياسية وإنهاء الصراع.
ولا يبدو أن هذا الواقع سيتغير لأسباب عديدة، منها أن ثمن الاحتلال لا يزال منخفضاً وتستطيع إسرائيل العيش معه، وأن الظروف الإقليمية والدولية تمنح إسرائيل الفرصة لمواصلة سياستها الاحتلالية، وأيضاً بسبب الوضع الفلسطيني الداخلي المشتت الذي يعاني من الانقسام وغياب الوحدة الكفاحية والبوصلة، فماذا لو تغيرت هذه العوامل أو بعضها؟