هل اقتربنا من حرب عالمية ثالثة؟

حجم الخط

بقلم: دنيا عبد القادر

 

دخان متصاعد وطلقات نارية مستمرة وقصف مدمر وارتفاع مستمر في أعداد اللاجئين والخسائر البشرية، هكذا هو المشهد في ‏أوكرانيا مع دخول الغزو الروسي للبلاد قرابة ٣ اشهر. لقد أصبح الوضع هناك يزداد سوءًا يومًا بعد يوم، وسط العقوبات ‏الأوروبية والأمريكية التي تُفرض من حين إلى آخر على موسكو؛ سواء العقوبات التي طالت الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» ‏شخصيًا أو أشخاص أثرياء ومهمين من الروس أو الموالين للنظام الروسي فضلًا عن العقوبات الاقتصادية التي أصابت عدد ‏من القطاعات المالية والنفطية ولعل منها فرض بريطانيا عقوبات على شركة «غازبروم بنك» الروسية، وهي احدى المؤسسات ‏المالية المحورية في تجارة الطاقة.‏
ولعل آخر مظاهر سياسة الشد والجذب بين روسيا والقوى الغربية، تصريح رئيس بلدية «ماريوبول» بوجود معركة عنيفة مع ‏القوات الروسية جراء هجوم موسكو على مصنع «آزوفستال» للصلب، بجانب إعلان رئيسة المفوضية الأوروبية «أورسولا فون ‏دير لاين» عن اقتراح دول الاتحاد الأوروبي فرض حظر تدريجي على النفط الروسي واستبعاد ثلاثة مصارف روسية إضافية ‏منها مصرف «سبيربنك» من نظام «سويفت» العالمي في إطار حزمة جديدة من العقوبات‎.‎
كل ما سبق يثير تساؤلًا مهمًا بشأن مصير الحرب الروسية في أوكرانيا وما إذا كان من الممكن حلها دبلوماسيًا أو ميلاد حرب ‏نووية عالمية؟ ويمكن الإجابة على ذلك من خلال استعراض السيناريوهات التالية:‏
أولًا- الحل الدبلوماسي
يعتبر هذا السيناريو هو المفضل للدول الأوروبية والولايات المتحدة لتجنب المواجهة المباشرة مع روسيا، لكنه السيناريو الذي من ‏الممكن حدوثه في حال إطالة أمد الحرب، إذ كلما استمرت الحرب كلما زادت الخسائر بالنسبة إلى الجانب الروسي، الذي لا يريد ‏بالتأكيد خسارة جيشه وأسلحته بألكامل. لكن لن تقبل روسيا بالجلوس على دائرة المفاوضات من دون أن تشترط على أوكرانيا عدم ‏الانضمام إلى حلف الناتو، وهو كان السبب الرئيسي للغزو، باعتبار أن أوكرانيا أقرب دولة للعمق الروسي، بالإضافة إلى ‏التداخل السكاني والتاريخي للبلدين، ومن ثم تريد موسكو ضمان أمنها بشكل كامل من هذه الجهة، لا سيما بعد إعلان رئيسها أن ‏بلاده ترغب في الانضمام إلى الناتو والحصول على أسلحة نووية.‏
على الرغم من احتمالية حدوث هذا السيناريو إلا أن روسيا لن تلجأ إليه إلا عندما تضمن أنها استطاعت إلى حد ما قطع الطريق ‏على كييف لمنعها من الانضمام إلى الناتو، أو في حال استيلاء روسيا على عدد من المدن الرئيسية في أوكرانيا وتوطين موالين ‏لها في تلك المدن؛ حفاظًا على نفوذها وعمقها الاستراتيجي. وربما تلجأ إليه روسيا أيضًا حينما تضعف أمام مواجهة العقوبات ‏المفروضة عليها ويتخلى عنها أقرب الحلفاء ولا سيما الصين.‏
ثانيًا- حرب عالمية غير مباشرة
ربما يكون هذا السيناريو هو الحاصل على أرض الواقع ولكن بشكل تدريجي، فعلى الرغم من تجنب القوى الغربية الدخول في ‏حرب مباشرة مع روسيا إلا أنها ستختار فرض مزيد من العقوبات على روسيا فضلًا عن تقديم المساعدات العسكرية مثلما طلب ‏الرئيس الأمريكي «جو بايدن» من الكونجرس 33 مليار دولار لمساعدة أوكرانيا. بالإضافة إلى أنه حتّى الآن، قدّمت بريطانيا ‏إلى أوكرانيا خمسة آلاف صاروخ مضادّ للدبابات وخمس منظومات صاروخية للدفاع الجوي مع أكثر من 100 صاروخ و4,5 ‏طن من المتفجّرات، فضلًا عن إعلان رئيس الوزراء البريطاني «بوريس جونسون»، (الثلاثاء)، عن تقديم ‏مساعدات إضافية إلى أوكرانيا تبلغ 300 مليون جنيه أسترليني.‏
ثالثًا- حرب نووية عالمية مباشرة
لفتت الحرب الروسية الأوكرانية الانتباه إلى تغيير الفكر الأمني لدى العديد من الدول الأوروبية، بداية من ألمانيا الحليف الأكبر ‏لروسيا، نهاية بدول الجوار وعلى رأسها فنلندا؛ وقد ظهر ذلك من خلال إعلان السويد وفنلندا عن مناقشتهما للتقدم بطلبات ‏الانضمام إلى عضوية حلف الناتو، على الرغم من تبني الدولتان نهجًا تاريخيًا محايدًا تجاه الأزمات الدولية ولا سيما العسكري ‏منها، ما بين حياد يصل عمره قرابة 200 عام لدى السويد، وآخر اقترن بالحرب الباردة كما هي الحال لدى فنلندا. ‏
من جانبها تعارض روسيا توسيع حلف الناتو، وبدت محذرة الدولتين من خطورة انضمامها إلى الحلف، خاصة أن روسيا ترتبط ‏جغرافيًا بحدود طويلة مع فنلندا تصل إلى 1300 كم، وهي الحدود التي تعادل تقريبًا بقية الدول الأوروبية المتماسّة مع روسيا. ‏
وفي هذا الصدد، ذكر العقيد المتقاعد والخبير العسكري «فيكتور ليتوفكين»، عن أن دخول السويد وفنلندا إلى الناتو في الممارسة ‏العملية سيعني ظهور وحدات عسكرية أجنبية وأسلحة على أراضيهما، ومن بينها صواريخ قصيرة ومتوسطة المدى. وقد يدفع هذا ‏الأمر روسيا إلى إرسال قواتها إلى دول البلطيق، التي هي في حلف الناتو، مثل لتوانيا، وفتح ممر أرضي إلى الجيب الروسي ‏الخارجي الساحلي كلينينغراد. وسيكون هذا الأمر بالغ الخطورة وقد ينذر بحرب مباشرة مع حلف الناتو.‏
وتنصّ المادة الخامسة ميثاق التكتل العسكري على أن أي اعتداء على عضو واحد في الحلف، هو بمثابة اعتداء على جميع ‏الأعضاء. ولكن لن يجازف «بوتين» بهذا الخيار إلا إذا رأى أنه السبيل الوحيد الذي يضمن له البقاء في السلطة. فإذا شعر بأنه ‏يتجه نحو الهزيمة في أوكرانيا فإنه سيحاول التصعيد أكثر. وقد وضع «بوتين» قواته النووية في أعلى درجات الاستعداد، وعلى ‏الرغم من التخوفات الدائمة من اللجوء لهذا السيناريو، إلا أنه لن يتم اللجوء له إلا إذا فشلت الخيارات البديلة، وقد تنضم كوريا ‏الشمالية إلى الجانب الروسي حينها.‏
رابعًا- انهيار النظام الروسي داخليًا
لن تكتفي الدول الغربية بفرض العقوبات على موسكو، بل ستحاول تأجيج الغضب في الداخل الروسي، الذي يعاني من أزمة ‏اقتصادية مريرة فضلًا عن تأثره -سواء على المدى الطويل أو القصير- بالعقوبات الجديدة المفروضة، وهو الأمر الذي سيشعل ‏الروس في الداخل وسيؤدي إلى ثورة أشبه بالثورة البلشفية لعام 1917 -باعتبار أن التاريخ يعيد نفسه- مما سيؤدي للإطاحة ‏بـ«بوتين» أو اغتياله والقدوم برئيس روسي جديد معتدل أو على الأقل يقبل التفاهم مع القوى الغربية.‏
خامسًا- نظام دولي جديد وتراجع أمريكي
لا شك أن ما حدث سيترك بصمة مؤثرة على النظام الدولي بل وسيعيد تشكيله من جديد ليصبح النظام العالمي نظاما متعدد ‏الأقطاب رسميًا وستظهر أقطاب جديدة في مقابل تراجع كبير للدور الأمريكي في مشاكل الساحة الدولية وانعزاله بشكل أو بأخر ‏على نفسه.‏
يمكن القول بإن تلك السيناريوهات السابقة مجرد توقعات ربما تستند إلى بعض الأدلة الواقعية وعلى الرغم من أنه لا يمكن الجزم ‏بحدوث أي منها لكن من المؤكد أن العالم لن يعود كما كان من قبل وأن تعزيز الأمن القومي وتشكيل تكتلات عسكرية سيكون ‏أحد أهم الأولويات التي تتصدر أجندات الدول القريبة والمجاورة لروسيا أو حتى الدول التي لديها مشاكل حدودية مع دول الجوار.‏