هارتس : أيار العاصف: لا بوادر هدوء

عاموس-هرئيل.jpg
حجم الخط

بقلم: عاموس هرئيل

 



إلى جانب الأحداث العاصفة والصور القاسية التي تأتي من الميدان، يجدر الانتباه للتطورات السياسية وتأثيرها المحتمل. رئيس الحكومة، نفتالي بينيت، يبث التصميم على البقاء في منصبه وهو مستعد لدفع ثمن ذلك. في الطريق تمكن في يوم الجمعة من إبعاد عضو الكنيست المشكوك بأنه متمرد من قائمته في الكنيست واستبدله بوزير اضطر إلى الاستقالة من منصبه والتخلي عن مستشارته السياسية، التي هي الشخص المقرب جدا منه كما يبدو في مكتبه. إلى جانب الانتكاسات النموذجية للحكومات التي تدخل إلى ما يبدو أنه خطوة أخيرة في فترة ولايتها، قد يكون هناك أيضا تأثير على سلوك بينيت على الصعيد الأمني والسياسي.
قبل تولي منصبه الحالي، مال بينيت اكثر من مرة الى إصدار تصريحات واتخاذ قرارات كان يبدو أنها كانت بصورة ارتجالية. المستشارة السياسية التاركة، شمريت مئير، كانت تقريبا هي الكابح الأخير في محيطه القريب لاتخاذ خطوات غير ناضجة ومغامرات أمنية. الآن، باستثناء المستشارين السياسيين، بقي هناك رئيس مجلس الأمن القومي، ايال حولكا، لكنه يقلل من الانشغال بالمسألة الفلسطينية التي تقف في هذه الأثناء على رأس جدول الأعمال اليومي.
في إسرائيل مثلما هي الحال دائما، تندمج الاعتبارات السياسية مع الاعتبارات الاستراتيجية. بينيت يوجد، الآن، في وضع وكأن ظهره للحائط، حيث هو مضطر الى مواجهة موجة عنف جديدة، مستمرة منذ شهرين، وهي لا تظهر أي علامات على التلاشي. استثمر الجيش و»الشاباك» جهودا وموارد كبيرة في الضفة الغربية وقاما بنشر قوات كبيرة على خط التماس. وبعد انتهاء شهر رمضان، عادا أيضا الى توسيع نطاق الاعتقالات في الضفة الغربية. ولكن كل ذلك لا يكفي من اجل إغلاق الثغرة أمام «المخرب» المناوب الذي يصل الى هدفه في مركز البلاد مرة كل أسبوع تقريبا. جدار الفصل مخترق تماما ومشروع إعادة ترميمه سيستمر لأشهر كثيرة والتسع كتائب ونصف الكتيبة التي نشرها الجيش على طول الثغرات ستضطر الى العودة ذات يوم الى التدريبات.
هذه ظروف تخيب الآمال وتتحدى العلاقات المعقدة أصلا بين بينيت وقيادة الجيش. سيؤدي استمرار تنفيذ العمليات الى مزيد من الضغط على هيئة الأركان العامة من اجل توفير حلول، على شكل تصفية كبار قادة «حماس» أو القيام بعملية هجومية في قطاع غزة أو عملية واسعة في جنين ومحيطها. ومثلما كتب هنا في السابق فإنه يوجد لقيادة الجيش أسبابها الخاصة للتحفظ، التي ليست جميعها موضوعية. الجيش الإسرائيلي غارق جدا في الرواية التي تقول إنه هزم «حماس» في العملية الأخيرة، عملية حارس الأسوار، قبل سنة (من هنا «حماس» خائفة، لذلك هي لا يمكن أن تكون مسؤولة عن موجة الإرهاب الحالية). ولكن من الصعب إيجاد أي أحد في المستوى المهني يؤيد، الآن، عملية في غزة. وإذا تم إلقاء المهمة على الجيش فهو يمكن أن يجر إليها وهو غير مؤمن بها. والنتيجة ستكون بحسب ذلك. أيضا على المستوى السياسي يمكن أن يجد بينيت نفسه في خلاف متزايد مع نظرائه الوزير يائير لابيد وبني غانتس، الذي حصل، أول من أمس، على درس طويل في الوطنية من مقدمي برنامج «اوفيرا وباركو».
مقارنة مع غزة، جنين هي هدف أسهل. قوات الجيش الإسرائيلي تعمل هناك في الأصل، تقريبا يوميا، وأي دخول الى المدينة أو الى مخيم اللاجئين القريب منها يرافقه في الأشهر الأخيرة إطلاق نار كثيف من جانب الفلسطينيين. الاحتكاك المستمر يضع إسرائيل على مسافة نصف خطوة من تنفيذ عملية في جنين. عدد المسلحين المقتولين الذي يزداد من عملية الى أخرى، يؤجج مشاعر الانتقام لدى الفلسطينيين. الى جانب المخاوف من سيطرة إسرائيل على الحرم، التي تتم تغذيتها من دعاية لا أساس لها من قبل «حماس»، فإن بعض «المخربين» الذين خرجوا من منطقة جنين الى حملات قتل داخل الخط الأخضر، جاؤوا أيضا للانتقام على موت أصدقائهم. في كل مرة يصب المزيد من الزيت على النار. فهناك موت الصحافية شيرين أبو عاقلة في جنين وموت احد سكان شرقي القدس، صباح أمس، الذي حسب أقوال الفلسطينيين أصيب في الشهر الماضي برصاصة مطاطية للشرطة في الحرم، ويوم النكبة.
مع ذلك، سيكون من الصعب الفصل كليا بين ما يحدث في جنين وما يحدث في غزة. فـ»الجهاد الإسلامي» نشيط جدا في المنطقتين، وهو يهدد بإطلاق الصواريخ من القطاع إذا استمر قتل أعضائه في الضفة. من الجدير أيضا تذكر التاريخ القريب. اختطاف الفتيان الثلاثة في «غوش عتصيون» في صيف 2014 ولد التوتر الذي كانت نهايته عملية الجرف الصامد في القطاع بعد نحو شهر. بدأت عملية حارس الأسوار بسبب إطلاق الصواريخ من قبل «حماس» من القطاع نحو القدس كإشارة للتماهي مع الفلسطينيين الذين واجهوا الشرطة في البلدة القديمة في شهر رمضان.

صور مثيرة للخجل
في هذه الأثناء، الأحداث على الأرض لا تخبو. نشر الجيش ظهر أول من أمس، النتائج الأولية للتحقيق في موت أبو عاقلة، مراسلة قناة «الجزيرة». تتضح بين سطور بيان المتحدث بلسان الجيش ومن أقوال ضباط كبار احتمالية معقولة بأن النار أطلقت عليها بالخطأ على يد جندي من وحدة «دفدفان». ولكن لأن السلطة الفلسطينية رفضت تسليم الرصاصة التي أصابت الصحافية من اجل فحصها بالستيا ورفضت تشريح الجثة فمن المشكوك فيه إذا كنا سنعرف في أي يوم الحقيقة كاملة.
تبين من التحقيق أن جنود الوحدة الذين جاؤوا لاعتقال عضو من «الجهاد الإسلامي» اطلقوا النار تقريبا ست مرات نحو منطقة الحدود بين مخيم اللاجئين ووادي بروقين، الحي الجنوبي في القرية المجاورة. في إحدى الحالات الجندي الذي اطلق النار كان على بعد نحو 190 مترا عن الصحافية. فقد كان يجلس في جيب وهو يحمل بندقية مزودة بمنظار وقام بالإطلاق من خلال فتحة لإطلاق النار. الجندي وجه سلاحه نحو مسلح فلسطيني ظهر ثلاث مرات من وراء سور واطلق النار على الجيب. المراسلون كانوا على مسافة قريبة خلفه. الإطلاق من داخل الجيب يخلق زاوية رؤية محدودة. الجندي أفاد في التحقيق بأنه لم يشاهد أبو عاقلة وبالتأكيد لم يشخص المس بها. وحسب التحقيق، كان هناك مسلحون فلسطينيون وراءها اطلقوا النار على القوة. لا يمكن معرفة إذا هي أصيبت بنار فلسطينية أو إسرائيلية طالما أنه لا يوجد فحص للطب الشرعي.
صباح أول من أمس، عادت قوات الأمن الى بروقين وفي هذه المرة قامت بمحاصرة بيت كان يوجد فيه مطلوب على بعد مسافة 300 متر من المكان الذي أصيبت فيه الصحافية. المطلوب، كما نشر، متهم بإطلاق النار، لكنهم في الجيش الإسرائيلي اكدوا أقوال مصادر فلسطينية بأنه الشخص الذي ظهر وهو يطلق النار على الجنود في زقاق بالمخيم، في الفيلم الذي صور قبل يومين من ذلك، قرب لحظة اصابة المراسلة. واحتمالية أن أبو عاقلة أصيبت بالنار التي صورت في الواقع تم نفيها في هذه الأثناء، لكنهم في الجيش يتهربون من الإجابة عن سؤال: هل الاعتقال استهدف توضيح ظروف موتها؟.
المطلوب تحصن في البيت وقوة من وحدة «يمام» الشرطية قامت بمحاصرته لساعات، مع إطلاق الصواريخ المضادة للدبابات «مناورة وعاء الضغط». أُطلقت نار كثيفة على القوات. بالتحديد بعد أن قام المطلوب وشقيقه بتسليم نفسيهما أصابت رصاصة ظهر جندي من «يمام» وهو نوعم راز وقتلته. راز هو الجندي الإسرائيلي العشرون في الشهرين الأخيرين، وهو ثمن دموي مرتفع يذكر الى أي درجة النزاع الفلسطيني بقي جرحا مفتوحا. الى جانب سؤال ماذا بالضبط كان هدف العملية، تظهر مسألة التوقيت. في شهر رمضان، فضل الجيش الإسرائيلي تنفيذ عمليات اعتقال في النهار لتجنب الاحتكاك مع الجمهور الذي يتجول في الشوارع بعد الإفطار. ولكن شهر رمضان انتهى والدخول في وضح النهار يزيد احتمالات المس بأشخاص لا علاقة لهم، ويبطل أفضلية الجنود الاسرائيليين المزودين بوسائل رؤية ليلية متطورة.
الأحداث لم تقتصر على ذلك. ففي الوقت الذي كانت فيه العملية في بروقين توشك على الانتهاء تجمع الجمهور للمشاركة في جنازة أبو عاقلة في شرقي القدس. الصدى الذي أثارته ظروف قتل الصحافية المعروفة حولت الجنازة الى حدث وطني فلسطيني. الشرطة التي كانت تدرك ذلك استعدت بقوات معززة وأجرت مفاوضات مطولة مع المنظمين حول ترتيبات المسيرة. وحسب رأيها، تم خرق جميع التفاهمات المسبقة وتم رشق الحجارة على رجال الشرطة.
لكن هذا لا يمكن أن يبرر المشهد الذي تطور وتم توثيقه في كل العالم، وهو عشرات رجال الشرطة المسلحين وهم ينقضون بالضرب على المشاركين في المسيرة، وتقريبا كادوا يسقطون التابوت الذي فيه جثة أبو عاقلة. شرطة القدس، التي اظهر رجالها الانضباط الكبير في شهر رمضان (خلافا لشهر رمضان في السنة الماضية)، فشلت هذه المرة بصورة مخجلة. هذا كان استعراض زعرنة لا تراعي أي مشاعر.
في قنوات التلفزيون الإسرائيلية حول ما تبقى من حلقة النيران القبلية جرى حديث في المساء عن عملية دعائية لم يكن لها مثيل. ولكن رغم الضرر الذي لحق بإسرائيل في الساحة الدولية، بما في ذلك إدانة مترددة من البيت الأبيض، هذا لم يكن هو الهدف. هكذا لا يتعامل الناس مع الناس. هذه الصور تثير الخجل العميق. يثور أيضا شك بأن عنف رجال الشرطة لم يكن منفصلا عن أحداث أخرى. قبل فترة قصيرة من الانقضاض على من يحملون التابوت عرفوا في الشرطة وفي الجيش عن موت الجندي راز في بورقين. وزير الأمن الداخلي، عومر بارليف، فرض وبحق على المفتش العام للشرطة تعيين طاقم فحص للأحداث. نحن سنرى كم هو هامش العمل الذي ستبقيه القيادة العليا لأعضاء الطاقم، الذين هم انفسهم من رجال الشرطة.
إذا كان هناك أحد أمل في الوصول الى يوم النكبة في هذا الصباح بأجواء اكثر انضباطا بقليل فيبدو أن أمله تبدد. فشهر أيار العاصف سيستمر كما يبدو، على الأقل حتى يوم القدس الذي يصادف بعد أسبوعين. ولا أحد يستطيع أن يضمن بأن النفوس ستهدأ بالضرورة بعد ذلك.

عن «هآرتس»