اللاجئون الفلسطينيون وطائر الفينيق والأونروا

حجم الخط

بقلم إبراهيم أبو عتيله

 

 

 يحضرني في البداية تلك الرواية المرتبطة بطائر الفينيق ذلك الطائر الأسطوري الذي أطلق الإغريق اسمه على الكنعانيين العرب سكان فلسطين الأصليين والذي سمّاه بعض العرب " العنقاء" لطول رقبته ومن العرب من أسماه أيضاً " الرخ " .

تقول الأسطورة: أن طائر الفينيق الكنعاني بلونه الذهبي الناري كان يجوب الأعالي، على رأسه طرة من الريش كأنها تاج وخلفه يمتد ذيله البرتقالي المتوهج، ينشد في أسفاره الأغاني السماوية، يحرس الأرض والناس والجمال والفكرة.

 

طائر الفينيق الكنعاني الفلسطيني الذي كان دائما يذهب حيث الناس ليحرسهم ويشاركهم آلامهم وعذاباتهم، كان يرفض أن يغادر عشه حين يهاجم اللصوص والقتلة الناس ويحرقون المدن والحقول، فكان يحترق باختياره ويتحول في عشه البهي إلى رماد. فيعتقد الغزاة أنه قد انتهى، لكنه في كل مرة كان يفاجئهم وهو ينهض من تحت الرماد من جديد....

وتقول الأسطورة أنه وما أن يشعر طائر الفينيق باقتراب أجله فإنه يقوم ببناء عشاً جميلاً لنفسه من أغصان الأشجار ثم يرقد فيه ويشعل النار بهذا العش الجميل ليخرج من تحت الرماد والألم طائر فينيق جديد، يحلق في سماء الشرق حيث تشرق شمس الحق والحرية، ليغني وينشد لكل المقهورين والمعذبين والكادحين وأصحاب الحق، لحن الوطن والخلود، ولحن الوفاء والانتماء.

حيث تقول الأسطورة ايضاً: أنه في اليوم الأول، تكبر البيضة تحت الرماد، وفي اليوم الثاني يخرج منها جناحان، وفي اليوم الثالث يعود الفينيق حيًّا من جديد. وتتكرر الأسطورة: يموت الفينيق ويُبعَث من رماده حيّا.
وحدهم أبناء الأرض البسطاء الذين كان الفينيق يحرسهم ويغني لهم يرونه عند احتراقه فينتظرون نهوضه كي يحتفلوا بعودته وانتصاره وهكذا ينظر كل فرد من الشعب الفلسطيني.

سردت المعتقد الكنعاني حول طائر الفينيق الكنعاني أيضاً للرد على قول رئيس أمريكا السابق ترامب الذي يمثل المسيحية المتصهينة والمحافظين الجدد تبريراً لمناداته بإلغاء الأونروا وحق العودة الذي ينشده الفلسطينيون مدعياً أن عدد اللاجئين الفلسطينيين في العالم يبلغ أربعين ألف لاجئ فقط ....

وإذا ربطت هذا القول بالفينيق الفلسطيني وإذا عدنا لعام النكبة يوم تم تهجير 800000 فلسطيني قهراً وقسراً من أراضيهم سنة 1948 فإن منطق الفينيق سيؤدي إلى بقاء العدد كما كان سنة النكبة بما يكذب زعيم المسيحية المتصهينة من المحافظين الجدد ، كل ذلك مع إلغاء كل قواعد العلم والزيادة السكانية الطبيعية والمنطق والشرائع الدولية التي تتغنى أمريكا بها والتي تم بموجبها إنشاء وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين بقرار الجمعية العامة " والذي يتضمن في أعقاب النزاع العربي الإسرائيلي عام 1948، تم تأسيس الأونروا بموجب القرار رقم 302 (رابعا) الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 8 كانون الأول 1949 بهدف تقديم برامج الإغاثة المباشرة والتشغيل للاجئي فلسطين. وبدأت الوكالة عملياتها في الأول من شهر أيار عام 1950، وفي غياب حل لمسألة لاجئي فلسطين، عملت الجمعية العامة وبشكل متكرر على تجديد ولاية الأونروا، وكان آخرها تمديد عمل الأونروا لغاية 30 حزيران 2023.

وتعد الأونروا فريدة من حيث التزامها الطويل الأجل لمجموعة واحدة من اللاجئين. وقد ساهمت في مساعدة أربعة أجيال من لاجئي فلسطين وفي المساعدة على تحقيق تنميتهم البشرية. وحيث أنه كان يتوخى أصلا أن تكون منظمة مؤقتة، فقد عملت الوكالة تدريجيا على تعديل برامجها للإيفاء بالاحتياجات المتغيرة للاجئين.

ووفق التعريف العملياتي للأونروا، فإن لاجئي فلسطين هم أولئك الأشخاص الذين كانت فلسطين مكان إقامتهم الطبيعي خلال الفترة الواقعة بين حزيران 1946 وأيار 1948، والذين فقدوا منازلهم ومورد رزقهم نتيجة الاحتلال الصهيوني لفلسطين عام 1948.

وكما ورد في وثائق الأونروا فإن خدماتها متاحة لكافة أولئك الذين يعيشون في مناطق عملياتها والذين ينطبق عليهم ذلك التعريف والمسجلين لدى الوكالة وبحاجة للمساعدة. إن أبناء لاجئي فلسطين الأصليين والمنحدرين من أصلابهم مؤهلون أيضا للتسجيل لدى الأونروا.

وعندما بدأت الوكالة عملها في عام 1950، كانت تستجيب لاحتياجات ما يقرب من 750,000 لاجئ فلسطيني. واليوم، فإن حوالي خمسة ملايين وست مائة ألف لاجئ من فلسطين يحق لهم الحصول على خدمات الأونروا."1"

ومن هنا فإن منطق الفينيق الفلسطيني ومنطق العلم ومنطق الأونروا ذاتها يبين بأن عدد اللاجئين الفلسطينيين يبلغ حوالي ستة ملايين لاجئ ... فكيف بالمعتوه ترامب ورجال الكنيسة المسيحية المتصهينة من المحافظين الجدد يتحدثون عن أربعين ألف لاجئ فقط وعلى أي أساس؟ وأقول بأن الأمر لو انحصر فيما قاله ترامب لما استحق الرد فقد رحل المتخبط دون عودة ولكنه قولاً تروج له الصهيونية والنظام الصهيوأمريكي كاملاً والذي يحارب بكل قوة كل ما يعود لأصل القضية واحتلال الصهاينة لفلسطين وتهجيرهم لشعبها فالموضوع يتجاوز أكبر من تصفية الأونروا وتحويل ما تبقى من الفلسطينيين إلى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين مخالفاً بذلك قراراتهم الشرعية وطريقة إنشاء الأونروا وتجديد أعمالها.

ولعلي هنا لا أجافي الحقيقة عندما أقول بأن أعداد اللاجئين الفلسطينيين في الواقع أكبر من الرقم المذكور من قبل الأونروا نفسها وذلك لكون اللاجئين الذين يعيشون في مناطق الاغتراب البعيدة لا يقوموا بتسجيل أسماء ابناءهم في سجلات الأونروا وكذا في مناطق اللجوء التقليدية فالكثير من اللاجئين لا يقوموا بهذا المهمة البالغة الأهمية خاصة بعد أن قامت الأونروا بتقليص خدماتها كثيراً والذي لم يعد فيه اللاجئ مضطراً لتسجيل أبنائه وذلك يرتبط ايضاً بالمؤامرة الكبيرة على حق العودة من قبل الصهيونية وأمريكا وسلطة أوسلو والتي وافقت أولاً بأن تخضع قضية اللاجئين للنقاش والمباحثات ضمن قضايا الحل النهائي بما يعني وجود إمكانية بتقديم تنازلات كبيرة فيها عدا عن إعلان رئيس سلطة العار نفسها بأنه لن يعمل على تغيير التركيب الديمغرافي لسكان كيان الاحتلال الصهيوني وإن عودة اللاجئ لفلسطين لا تتم إلا كسائح وسائح فقط .

وهنا ... لا بد من وجود جهة ما ولا بد من قيام فلاسفة التنظير في الفصائل الفلسطينية وكل حريص على القضية الفلسطينية أن يتمسك بالأونروا وفقاً لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة ومواجهة أمريكا على كل الأصعدة والتأكيد بأهمية استمرار الأونروا في عملها كعنوان رئيسي لنكبة فلسطين وتهجير سكانها قسراً كل ذلك مع ما يصاحبه من ضرورة تدقيق أعداد اللاجئين وحثهم على تسجيل أبناءهم في سجلات وقيود الأونروا عملاً وتوفيقاً للتشريعات الناظمة لذلك.