وزير الخارجية اللبناني السابق
اعتداءات واقتحامات متكررة من طرف المستوطنين للمسجد الأقصى والحرم الإبراهيمي، ترعاها سلطات الاحتلال، وإقامة المستوطنين طقوساً دينية في باحات المسجد الأقصى، وكذلك تصاعد أعمال العنف من طرف قوات الاحتلال ضد السكان الفلسطينيين. ويمثل القتل المتعمد للصحافية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة مثالاً ساطعاً على سياسات القمع التي يمارسها الاحتلال.
ويواكب ذلك ازدياد أعمال العنف في إسرائيل ضد المواطنين العرب. والبعض لم يعد يستبعد احتمال حصول انتفاضة فلسطينية في إسرائيل مع ازدياد الاحتقان. وفي محاولة لتنفيس هذا الاحتقان اقترح أفيغدور ليبرمان وزير المالية في الحكومة التي يرأسها نفتالي بنيت، إجراء تعديل على قانون القومية، القانون الذي يشرعن التمييز ضد المواطنين العرب ضمن منطق التفوق للمواطن اليهودي. وكان رأي النواب العرب في الكنيست عندما طُرح الموضوع سابقاً عام 2020 أن المطلوب إلغاء القانون كلياً وليس إجراء تعديلات طفيفة حوله لا تغيِّر من طبيعته. والشيء ذاته مطروح اليوم: تعديلات إذا ما اعتُمدت، وهدفها أساساً احتواء الاحتقان، لا تُلغي التمييز العنصري بانعكاساته المختلفة والذي يستند إلى القوانين ضد المواطنين العرب.
وفي السياق ذاته ضمن استراتيجية القضم والضم الفعلي والتدريجي لتكريس الاحتلال تصدر المحكمة العليا منذ أسبوعين تقريباً قراراً يهيئ الوضع القانوني لهدم ثماني قرى فلسطينية صغيرة في منطقة بالقرب من الخليل. ومقابل ذلك أعطى الطرف المسؤول في الإدارة الإسرائيلية الموافقة على بناء 4500 وحدة استيطانية في الضفة الغربية، في «المنطقة ج» المنطقة التي تشكل نحو 60% من أراضي الضفة الغربية والتي تخضع للسيطرة المدنية والعسكرية الإسرائيلية حسب تقسيمات اتفاق إعلان المبادئ (اتفاق أوسلو) كمرحلة انتقالية تعمل إسرائيل على تحويلها كل يوم إلى مرحلة دائمة. وللتذكير فإن عدد الفلسطينيين قد تضاعف عشر مرات منذ النكبة. ويشكل الفلسطينيون نحو نصف السكان في فلسطين التاريخية رغم ازدياد الاستيطان الإسرائيلي القادم من الدياسبورا اليهودية.
باختصار تعمل إسرائيل على خلق واقع جديد على صعيدي الجغرافيا والديمغرافيا في الأراضي الفلسطينية المحتلة وضمنها القدس الشرقية. يجري ذلك أمام عجز دولي يعبّر بأفضل حال عن خروقات إسرائيل الفاضحة للقانون الدولي ولقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، ببيانات إدانة وتحذير، بينما طبيعة الوضع العربي والفلسطيني الراهن لا توفر شروط الحد الأدنى المطلوب لردع سياسة تكريس وتعزيز الاحتلال.
وقد أدت هيمنة اليمين المتطرف الديني واليمين المتشدد الاستراتيجي على السياسة في إسرائيل، إلى تديين الصراع من الطرف الأول كما يظهر من ممارساته في القدس الشرقية وفي الأراضي المحتلة، وطرح معادلة السلام مقابل بعض الاقتصاد (تحسين الوضع المعيشي للرازحين تحت الاحتلال) بالنسبة للطرف الثاني بشكل خاص. في كلتا الحالتين سياسة تقوم على إلغاء الهوية الوطنية وما تعنيه من حقوق في دولة مستقلة للشعب الفلسطيني.
خلاصة الأمر أن الموقف الإسرائيلي يقوم على إلغاء الآخر وإقامة نظام شبيه بنظام التمييز العنصري الذي كان قائماً في جنوب أفريقيا، فيما الموقف العربي الفلسطيني يقوم على تسوية الدولتين اللتين تعيشان جنباً إلى جنب: حل سياسي واقعي وليس حلاً دينياً أو قومياً مطلقاً.
نحن اليوم أمام المعادلة التالية: إسرائيل قادرة على أن ترفض السلام الشامل والعادل والدائم ولكنها غير قادرة على فرض سلامها على الآخر. فلسطين والعرب قادرون على رفض السلام الإسرائيلي الإلغائي ولكنهم غير قادرين على فرض السلام الذي يطرحونه والذي يستند إلى القرارات الدولية ذات الصلة. من جهة أخرى «الوسطاء»، دولاً ومنظمات دولية معنية، يكتفون بسياسات احتواء التداعيات السلبية لهذا الوضع واللجوء إلى المراهم التي لا تعالج «المرض» الذي يزداد فتكاً «بجسم» السلام الضروري للمنطقة وللجميع والمعروفة عناصره ومرتكزاته وأبعاده. فلا رباعيَّ فاعلاً في المدى المنظور، ولم يكن جد فاعل بالماضي، بسبب الخلافات بين أعضائه حالياً (الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا الاتحادية والأمم المتحدة) حول أوكرانيا. البعض يراهن على زيارة الرئيس الأميركي للمنطقة في أواخر يونيو (حزيران) القادم واللقاءات التي سيعقدها مع الأطراف المعنية مباشرةً بهذا النزاع.
فهل نبقى في «لعبة» سياسة الاحتواء الاستباقي أو اللاحق للتوترات القائمة والقادمة، أم يُعاد وضع النزاع التاريخي والشامل بأبعاده وتداعياته المختلفة والمتشابكة، والتي تسمح لا بل توفِّر القدرة على توظيفه في صراعات وتنافس نفوذ في المنطقة لا علاقة لها بالنزاع الأساسي، على جدول الأولويات الدولية الإقليمية في المنطقة، الأمر الذي يسمح بإطلاق مسار التسوية السلمية الشاملة على أساس المرجعيات والأسس التي صارت معروفة مع رعاية ومواكبة فاعلة من الأطراف الدولية المعنية؟ سؤال مطروح لا نعرف متى وما هي الإجابة عنه.