«إسرائيل اليوم» : إســـرائـــيـــل وروســـيــا: أيّ تصــعــيــد فـــي ســوريـــة؟

ايال زيسر.jpeg
حجم الخط

بقلم: إيال زيسر


في بداية الشهر أطلقت بطارية روسية، منصوبة على الأراضي السورية صواريخ نحو طائرات إسرائيلية هاجمت مصنعاً عسكرياً سورياً لإنتاج الوسائل القتالية المخصصة لـ»حزب الله».
نار الصواريخ، استهدفت الإثبات أنه رغم الحرب في أوكرانيا، فإن موسكو مصممة على أن تواصل حماية – وليكن ما يكون – معقلها في سورية. لكن في إسرائيل مالوا لتفسير إطلاق الصواريخ كإشارة تحذير ورسالة، وبموجبها من شأن روسيا أن تعاقب إسرائيل على مواقفها في مسألة الحرب في أوكرانيا فتقيّد بل وتمنع حرية عمل طائرات سلاح الجو في سماء سورية.
يدور الحديث حالياً عن حدث موضعي، وينبغي الأمل في أن يبقى هكذا ومع ذلك فإنه يبعث على تساؤلات بل ومخاوف، وبالأساس ذكريات تعيدنا 55 سنة إلى الوراء، إلى الأسابيع الأخيرة من شهر أيار 1967، الأيام التي بدأ فيها العد التنازلي نحو حرب الأيام الستة، الحرب التي لم يتوقعها أحد ولم يرغب فيها أحد.
في حينه أيضاً عملت إسرائيل في سورية كي تفشل محاولات السوريين تحويل مجرى مياه نهر الأردن، وكذا رداً على عمليات «الإرهاب» لمنظمة «فتح»، التي عملت في حينه بتشجيع من السوريين على الحدود الشمالية. يحتمل أن يكون التدهور على طول الحدود الإسرائيلية – السورية بعث المخاوف في موسكو في أن إسرائيل توشك على أن تهاجم سورية، ولكن يبدو أيضاً أنهم سعوا لأن يستغلوا الأحداث كي يصبوا الزيت على النار، أن ينتجوا أجواء حرب، وبذلك يضمنون ولاء حلفائهم العرب ويعززون مكانة موسكو في المنطقة.
لقد نقل الروس للعرب إخطارات وبموجبها توشك إسرائيل على مهاجمة سورية، وكل نفي القدس كان عبثاً. وهكذا بدؤوا يدحرجون كرة الثلج التي أدت إلى نشوب الحرب. في أعقاب الإخطار الروسي قرر رئيس مصر، ناصر، إدخال قواته إلى سيناء، وفي وقت لاحق أغلق مضائق تيران في وجه الملاحة الإسرائيلية وطرد قوات الأمم المتحدة من قطاع غزة. تجند العالم العربي للحرب ضد إسرائيل، أما عندنا فساد فزع وإحساس بالحصار والاختناق. وهكذا أصبحت الحرب محتمة. يبدو أن الروس فوجئوا من سير الأحداث، فقدوا السيطرة عليها بل وأهينوا بسبب الهزيمة النكراء للجيوش العربية التي سلحوها ودربوها. ردا على ذلك سارعوا لقطع علاقاتهم مع إسرائيل كعقاب على انتصارها.
بعد ثلاث سنوات من ذلك في بداية 1970، في ذروة حرب الاستنزاف، عاد الروس وتدخلوا بشكل نشط في المواجهة التي بين إسرائيل والعرب. زودوا مصر وسورية بسلاح متطور وبمستشارين ساعدوهم على تشغيلها. كما بعثوا بطائرات قتالية، بطياريها، إلى مصر. في حادثة جوية في تلك السنة أسقط الجيش الإسرائيلي خمس طائرات روسية في سماء القناة. وكان الانتقام الروسي بالطبع بناء منظومة صواريخ مضادة للطائرات في الجبهة المصرية والسورية، وكان من شأن هذا أن يجبي ثمناً باهظاً من سلاح الجو في حرب يوم الغفران. غير أن الواقع اليوم مختلف جوهرياً. فقد جاء الروس إلى المنطقة قبل أكثر من خمسين سنة كي يساعدوا العرب بشكل نشط ومباشر في حربهم ضد إسرائيل. أما اليوم فروسيا دولة تقيم علاقات حوار بل وعلاقات صداقة معنا، وهدفها ليس المسّ بإسرائيل بل تحقيق مصالح روسيا على الأراضي السورية. وهذه لا تتعارض بالضرورة مع المصالح الإسرائيلية.
فضلاً عن ذلك، إسرائيل هي دولة أقوى بكثير من تلك التي كانت عشية حرب الأيام الستة أو حرب يوم الغفران، ولها أيضاً – وليس فقط لروسيا قدرة على إلحاق أضرار جسيمة، مباشرة وغير مباشرة بخصومها. من هنا المصلحة المشتركة الروسية – الإسرائيلية للحوار والتعاون قدر الإمكان.
لكن كما في الماضي، المصلحة الروسية هي المقررة بالنسبة لموسكو، وبالنسبة لها فإنها مستعدة لأن تسير بعيداً، مثلما تبين في أوكرانيا. وفضلاً عن ذلك، عندما تقطع الأشجار في أوروبا تتناثر الشظايا غير مرة في الشرق الأوسط. ينبغي الأمل في أن تتمكن إسرائيل وروسيا من احتواء التوترات والخلافات، وكذا الاحتكاكات الموضعية بينهما، إذ إن الحوار وليس المواجهة يخدم ويحقق مصالحهما الاثنتين.

عن «إسرائيل اليوم»