"انقلاب" بيغن كان أكثر عمقاً مما اعتقد كثيرون

عوزي برعام.jpeg
حجم الخط

بقلم: عوزي برعام

 

 



لقد تم انتخابي للمرة الأولى للكنيست في العام 1977. يمكن القول إنني ولدت كمعارض. أنا أتذكر أنني ذهبت بشكل بطيء إلى جلسة اليمين، عرفت أنني سأخدم في كنيست يترأس الحكومة فيها مناحيم بيغن. الكثير من الأسئلة والمفاهيم شغلتني في حينه حول الانقلاب السياسي، جذوره وأسبابه.
في العام 2004 اصدر أخي حاييم كتابا بعنوان "احمر – اسود – اصفر" (إصدار "معاريف"، هيد آرتسي). هذا الكتاب استعرض عبر العيون المتفحصة تاريخ كرة القدم في القدس في الخمسينيات. وهو كتاب سياسي أكثر مما هو كتاب رياضي والآن توجد له أهمية مثلما كان في حينه. فقرة في الكتاب كتب فيها "عوزي وأنا تعودنا على القول إن من لم يقم بزيارة "يمكا" (جمعية الشبان المسيحيين) في أي يوم فهو لن يعرف في أي وقت أي شيء في السياسة".
في القدس، شعرنا دائما بأننا في موقف الأقلية. في الطريق إلى ألعاب الديربي في بداية الخمسينيات التقينا عددا كبيرا من الأشخاص الذين يرتدون قمصانا بيضاء مزررة. وقد جاؤوا من الحي البخاري، من الذكريات والإرث. وقد انضم اليهم عدد قليل من المهاجرين الجدد من سكان "المعبراه" في تلبيوت. كثيرون كانوا يرتدون القبعات المنسوجة، لكنهم كانوا في الطريق إلى الديربي بعد أداء صلاة الفجر في يوم السبت وغداء عائلي. في الملعب كانوا يدخنون بنهم، وقد ملؤوا الإستاد في "يمكا" بالكامل. بيغن كان رئيسهم الذي لا يضاهى و"بيتار" كان مركز التماهي.
في الجهة المقابلة وقفنا، نحن مؤيدي "هبوعيل"، وليس لنا أي أهمية. لم نحاول الاندساس بين مشجعي "بيتار" على المدرجات المليئة، بل وقفنا خلف المرمى الجنوبي. أقنعنا انفسنا بأننا أقلية في الملعب، لكن ليس في أوساط الجمهور الواسع. عرفنا أن بيغن يمكنه ملء كل ساحة منورا في التجمعات التي تسبق الانتخابات، وأن من يرتدون القمصان البيضاء لن يفوتوا أي مقطع من كلامي. موقفنا منه تشكل من نظرات العيون. كنا نعيش في مركز المدينة أثناء التظاهرة ضد التعويضات الألمانية التي قادها في بداية 1952. سمعنا أقوال الغطرسة والألم وحشد المتظاهرين المتحمسين من أقوال زعيمهم الصاعد إلى الكنيست، التي كانت على بعد مسافة 200 متر من بيتنا، وقاموا برشقها بالحجارة.
والدي الذي لم يكن بعد عضوا في الكنيست قال، إن هذه محاولة للقيام بانقلاب في دولة ديمقراطية. في اليوم التالي، صعد على سطح بيتنا أصدقاء من كتائب "هبوعيل" في حيفا وأعضاء من الكيبوتسات. وقد احضروا معهم قطعا ثقيلة من الطوب التي لم يستخدموها، لأن قوات من شرطة القدس برئاسة اليعيزر شلوني قامت بتفريق التظاهرة. بالنسبة لنا هذه كانت حربا مثلما في الكتاب الذي أثر فينا كأطفال والذي فيه أيضا كانت كرة القدم رمزا للصراع بين فريقين، "محنايم" لفرانس مولنر حيث تتصارع مجموعتان من الأطفال على السيطرة في ملعب في بودابست الى أن يصل آرني منتسيك المريض وينقذ الأخيار ويخلد فرانس آتش، زعيم "القمصان الحمراء".
بعد انتخابات 1955 التي فاز فيها بيغن بـ 15 مقعدا وضاعف قوة حركة "حيروت" جاءت فترة قلصت قوته. التعويضات الألمانية فعلت فعلها. مستوى الحياة ارتفع والزعماء الجدد لـ"مباي"، موشيه ديان وآبا ايبان وشمعون بيريس، راكموا الشعبية. أيضا في القدس شعرت بالتغيير. عدد مشجعي "هبوعيل" ارتفع بالآلاف ولم يعودوا يختبئون. وقد ازدهرت هوية جديدة مقدسية. فريق كرة القدم خاصتنا مهد الطريق نحو الدوري الأعلى و"بيتار" بقي في الخلف. بيغن واصل ظهوره، لكن تأثيره في الجمهور الواسع لم يقض مضاجع أصدقائي من خارج القدس. فقد اعتبروه خصما ضحلا وعاطفيا.
في الشوارع وفي فروع الحزب وفي المناسبات السياسية استمرت مشاهدة أشخاص من خريجي حركة الشبيبة الطلائعية والذين تركوا الكيبوتسات ومثقفين. احتلت حركة العمل خشبة المسرح والأدب والفن، في حين أن بيغن احتل أجزاء من الجمهور. وطبول التغيير سمعتها كإشارة تحذير ضبابية.
حلل كثيرون فشل اسحق رابين في حكومته الأولى ووجدوا أسبابا كثيرة لسقوطه. ولكن الحقيقة هي أن رابين عمل في الوقت الضائع لأن حرب يوم الغفران أنهت الاعتماد الأمني لحركة العمل وأظهرت كل الجراح القديمة التي تم إهمالها في السابق. جميع حسابات الماضي وضعت أمامه وهو لم يتمكن من التغلب عليها.
انتخابات 1977 ظهرت بالنسبة لي كفشل مؤكد. في حينه كنت مرشحا للكنيست للمرة الأولى، وعرفت منذ ذلك الحين بأنني سأكون في المعارضة. أصدقائي من تل أبيب وحيفا بدؤوا بالقلق من أن تصل متلازمة القدس إلينا. كانت الأجواء في شوارع المدينة حزينة. تحول "بيتار" القدس إلى رمز وطني ونحن تخلفنا كثيرا رياضيا عنه.
عندما اعلن حاييم يفين عن الانقلاب السياسي اهتزت قلوب الاسرائيليين. أيضا قلبي أنا اهتز، رغم أنني كنت مستعدا للهزيمة التي لاحت خلال سنوات.
الكثيرون يمدحون ويباركون الانقلاب وإسهامه في تعزيز الديمقراطية. ولكن في الوقت الذي ذهبت فيه إلى احتفال أداء القسم في 1977 لم أتوقع أن بيغن سيجلب لنا بنيامين نتنياهو، وأن نتنياهو سيجلب لنا ايتمار بن غبير. ولم نتوقع أيضا أن الكثيرين سيذكرون اسم بيغن بلهفة كرمز لليبرالية القانونية والمدنية.
الانقلاب كان اكثر عمقا مما اعتقد كثيرون. فقد نما حسب رأيي في ملعب "يمكا" في 1953، ونتائجه المدمرة لصورة الدولة وهوية الاسرائيليين سنحملها معنا لسنوات كثيرة.

عن "هآرتس"