تحاول روسيا مواجهة العقوبات الغربية المفروضة عليها بسبب الحرب الأوكرانية، وبينما لم تفرض عقوبات حتى الآن على قطاع النفط الروسي بشكل كبير، فإن موسكو تحاول استباق الأمر من خلال وضع خطط لتجنب تأثيراته.
ومن هذه الخطط الإعلان عن خطة لتشييد منشآت لتخزين النفط ومنافذ جديدة للتصدير، وهو ما سيساعدها في الحد من تأثير عقوبات تعرقل مبيعاتها النفطية.
وكشف إيغور شبوروف، رئيس لجنة المعادن الحكومية، أن روسيا قد تقيم منشآت تخزين تحت الأرض في شرق سيبيريا ومنطقة نهر الفولغا والأورال، مضيفا أن سعة هذه الخزانات لن تقل عن 100 مليون طن، أو أكثر من 700 مليون برميل.
مشروع التخزين
أما مدير الوكالة الاتحادية للموارد الجوفية يفغيني بيتروف، فقال لوكالة إنترفاكس الروسية في 18 مايو الجاري، إن نظام تخزين الغاز تحت الأرض في روسيا متطور بشكل جيد جدا، لكن لا يوجد مثل هذا النظام للنفط، لأن الاقتصاد الروسي لم يكن في حاجة ماسة إلى تخزين النفط، وغالبًا ما يكون من الأرخص بالنسبة للشركات المحلية خفض إنتاج النفط بدلاً من تخزينه.
وكشف بيتروف "أن روسيا تتمتع بخبرة في إنشاء مرافق تخزين النفط، وإمكانات جيولوجية كبيرة من حيث القدرة على إنشاء مرافق تخزين تحت الأرض، وسيستغرق بناء مرفق التخزين هذا من عام ونصف إلى عامين، لكن منشأة التخزين تحت الأرض باهظة الثمن، ومن أجل إنشاء نظام مرافق تخزين النفط، من الضروري أولاً جعل هذه العملية عملاً فعالاً سيكون قادرًا على ضمان أمن الطاقة، وبمرور الوقت ستلعب دورا أكبر في تنظيم سوق النفط العالمي".
وأشار إلى "أن إنتاج النفط الروسي كان موجهًا إلى حد كبير نحو التصدير، ولم يكن الاستهلاك المحلي للمصافي كبيرا، أي أنه كان لدينا دائمًا طلب خطي يمكن التنبؤ به إلى حد كبير على النفط، وبالتالي، لم تظهر الحاجة إلى مرافق تخزين النفط".
مواجهة التغيرات
الباحث في الشأن السياسي المقيم في موسكو، وسيم سليمان، يقول إن هذه العملية تأتي بهدف مواجهة التغييرات التي تشهدها أسواق الطاقة العالمية، خصوصا بالنسبة للدول المستهلكة للطاقة في أوروبا والتي تحاول التخلي عن الغاز أو النفط الروسي، حيث تساهم هذه الخطوة بفتح الآفاق لأسواق جديدة في آسيا وأفريقيا وأيضا في أميركا الجنوبية.
ويضيف سليمان، لموقع سكاي نيوز عربية، أن منشآت التخزين ستساهم بزيادة الاحتياطي الاستراتيجي النفطي الخاص بروسيا بشكل كبير، وهو من أهم أسس المرحلة الحالية، حيث ستلعب مصادر الطاقة دورا محوريا في المرحلة القادمة.
ويتابع: "نشهد تراجعا في الاحتياطي النفطي الأميركي، حيث يعتمد الرئيس جو بايدن على سياسة السحب من الاحتياطي الأميركي لتحفيف أعباء حدة العقوبات التي فرضتها واشنطن على موسكو، وهو ما تسبب في ارتفاع أسعار الطاقة في أوروبا بشكل خاص والعالم بشكل عام، لكن السؤال هو إلى متى تستطيع الإدارة الأميركية الاستمرار بهذه السياسة؟ المؤكد هو أنها لا تستطيع الاستمرار بالسحب من مخزونها الاستراتيجي لفترة طويلة، خصوصا أنه وصل لأدنى مستوى تاريخي له".
توزيع مراكز التخزين
ويشير سليمان إلى "أن وجود منشآت تخزين روسية يساهم بمواجهة سياسة العرض والطلب المتقلب في السوق الحالي والتي تحدث نتيجة للعقوبات الأميركية، حيث من الممكن تخزين النفط أو الغاز إلى حين مرحلة التصدير، ومن الممكن أن يتم توزيع مراكز التخزين في مناطق شرقي وجنوبي روسيا بهدف إمداد السوق الآسيوية والأفريقية الجديدة بالإضافة إلى أميركا الجنوبية، وبهذه الطريقة يتم فتح أسواق وطرق جديدة للتصدير، مع إمكانية إيقاف التصدير إلى دول أوروبا وقطع الغاز والنفط عن الدول غير الصديقة بالنسبة لموسكو، وبذلك تصبح العقوبات التي فرضتها واشنطن عبئا على الدول التي التزمت بتطبيقها فقط بسبب تحالفها مع الناتو من دون التفكير بمصالح شعوبها بالدرجة الأولى".
ميزة تصديرية
ويكشف الباحث السياسي، أنه بالنسبة للموانئ، "يجب أن نعلم أن الحدود الروسية هي الأطول في العالم، وحدود روسيا مع أوروبا، هي صغيرة جدا عند مقارنتها بحدودها البحرية من جهة أو حدودها البرية الأخرى مع دول آسيا من جهة ثانية، وهي حدود واسعة جدا توفر ميزة تصديرية كبيرة، خصوصا مع انتشار خطوط السكك الحديدية الروسية فيها بشكل واسع جدا، والتي تتصل بدورها مع الموانئ الروسية، حيث تمتلك روسيا سواحل واسعة على البحر الأسود تتيح لها إمكانية التصدير البحري إلى دول آسيا وأفريقيا، كما أنها تمتلك موانئ استراتيجية على السواحل القطبية المدعمة بكاسحات الجليد الحديثة والتي تتيح إمكانية التصدير إلى دول أميركا الجنوبية وإلى الصين وجميع دول آسيا من دون المرور من قرب أي حدود أوروبية أو أميركية، حيث يمكن لبواخرها السير في المياه الإقليمية لروسيا في المتجمد الشمالي وحدود روسيا الشرقية وصولا إلى الصين".
وحول تكلفة المشروع، يقول سليمان، إنه "من الصعب تقدير تكاليف هذا المشروع بشكل دقيق، لكن المؤكد أن التنفيذ سيتم بشكل دقيق، حيث لا تحتاج هذه العمليات إعادة ابتكار الدولاب، لكنها ستتم بسرعة، خصوصا بعد تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتن الذي أشار إلى أن الحكومة ستضع خطة لتطوير نظام نقل النفط والغاز الروسي بحلول الأول من يونيو، أشار خلالها إلى ضرورة العمل على تصميم وتصنيع المنتجات والآلات والمعدات التي تحتاجها جميع شركات الطاقة الروسية، وأصدر تعليمات لإجراء انتقال من أنظمة الطاقة الأجنبية والاعتماد في مجمع الوقود والطاقة إلى الأنظمة المحلية بحلول نهاية العام، بالإضافة إلى إنشاء خطوط أنابيب نفط وغاز جديدة من حقول غرب وشرق سيبيريا".
وتوقع أن يتم في الوقت الحالي العمل على إنشاء ما يمكن أن نسميه في سياسات الاقتصاد الكلي؛ مراحل جديدة للدورة الاقتصادية في العالم، حيث يتم إنشاء هذه الدائرة بين مجموعة دول محورية وتشكل ما يشبه المثلث في أحد زواياه الصين (آسيا) ومن زاوية أخرى هي روسيا، والزاوية الثالثة هي أفريقيا، وتتوزع على أطراف هذا المثلث أهم دول العالم الصاعدة من النواحي الاقتصادية، مثل الخليج العربي ودول الشرق الأوسط ومصر وتركيا وغيرها من الدول، والهدف من هذا المثلث هو الحد من سياسة العقوبات الأميركية مستقبلا وتقليل التعامل بالدولار والاعتماد على العملات المحلية وسياسة المبادلات بين شعوب ودول هذه المناطق.