هارتس : الانشغال المرضي بالأعلام

حجم الخط

بقلم: رفيت هيخت

 


لماذا ينشغل أشخاص بالغين هنا طوال الوقت بالأعلام؟ في يوم الأحد، سيحل علينا ولسوء الحظ مسيرة الأعلام – احتفال الصهيونية الدينية بالعنصرية، والذي يمر بالبلدة القديمة في القدس ويشمل على الأقل في السنوات التي مضت، طرقا على أبواب المحلات العربية وإطلاق صراخات وصفارات.
هذا الأسبوع، جرت أيضا تظاهرة لطلاب فلسطينيين من مواطني إسرائيل في جامعة بن غوريون لإحياء ذكرى النكبة، لجنة الجمهور الإسرائيلي صدمت من كتلة ملونة وكثيفة من أعلام السلطة الفلسطينية التي حملها المتظاهرون بصورة استفزازية. وذلك خلال تظاهرات أخرى في الحرم الجامعي يوم الأرض والتي تم فيها حمل أعلام السلطة.
هستيريا الأعلام تجد لها مكانا في الحكومة، وفي الكنيست وفي المجتمع المدني. من بغطرسته أنهى عهد القوميات، مع العدد الذي لا يحصى من الضحايا التي جباها في تاريخ غير بعيد جدا، مطلوب منه بالتأكيد أن يزور الحاضر والحصول على صفعة مدوية من الواقع.
ليس لدي مشكلة مبدئية مع الانتظام الجماعي والمزين أحيانا بإشارات ورموز. اعترف ولا اخجل: أنا احب (نشيد الأمل) على سبيل المثال، واستمتع بإنشاد النشيد الوطني عندما احضر أحداثا يتم إسماعه فيها. هنالك شيء ما صحي، صحيح ويمس شغاف القلب في التوق إلى أن تكون ولو لفترة زمنية قصيرة جزءا من شيء ما اكبر.
علاوة على ذلك: في السنوات التي فيها التحريض ضد إسرائيل وصل إلى عنان السماء اعتقدت، انه ربما حان الوقت لتجديد العقد مع نجمة داود الزرقاء والاستجابة لليد الممدودة لمن يوزعون الأعلام وهم المتعرقون في مفترقات الطرق، كجزء من الحرب على طبيعة الدولة ومحاربة حكم المتوحشين القوميين.
ولكن الانشغال المرضي بالأعلام، الآخذ بالازدياد مؤخرا هو عرض لمرض طفولي صعب، والذي إلى أن يشفى لن يتوقف هنا سفك الدماء. عندما العالم لا يرمز إلى شراكة وأخوة بل إلى استفزاز وتطاول – فإنه رمز مسموم لحرب دموية وشيكة.
أنا أذكر أنني عندما كنت تلميذة في المدرسة الأساسية، أثناء التدرب على احتفال نهاية العام، انتخب ولد باسم غاي للدور الأهم المتمثل في رفع العلم. في الوقت الذي كان ينتظر ساعة الصفر تجمع غاي مع زملائه الذين وقفوا إلى جانب المنصة وهكذا حدث وداس على العلم بالخطأ، وكذلك أزاحه من ناحية إلى أخرى. المعلمة التي أتذكرها فقط من هذا الحدث، أمسكته بيده بقوة وصرخت عليه بأنه يهين علم إسرائيل. غاي أجابها بسذاجة: "هذا بالإجمال قطعة قماش مطبوع عليها".
ما زلت أتذكر وجهها المليء بالغضب، بحيث إن عينيها أوشكت على الخروج من محاجرها: "هنالك أشخاص ماتوا من أجل هذا الشيء!" صرخت في وجهه، "وانت تقتلهم ثانية!". ساد الصمت بين جمهور الأولاد، وغاي عاد للوقوف مع العلم، وأنفاسه مقطوعة من الإهانة والخوف.
أثناء الحدث أوقفت ردي الطبيعي، الذي قدر جدا الإجابة الحكيمة والشجاعة لغاي، نظرا لأن حزم المعلمة – البالغة والمسؤولة – لم يترك خيارا آخر.
اليوم، أنا اعرف أن رد الفعل الأول لي، مثل رد غاي، يدلل بالتحديد على رغبة يائسة في الصحة وعلى محاولة طفولية رفض الأمراض التي تنتقل من جيل إلى جيل والحفر بالقوى الضئيلة عن وجود نافذة للعيش المتعقل في مكان ببساطة لا يسمح بذلك.
من يشحن جسما بكل هذا القدر من الأهمية والمشاعر، هو كما يبدو إنسان ليس لديه ثقة في نفسه وفي وجوده. ولهذا – فإنه أيضا إنسان خطير جدا. اليهود الذين يحيون بحب علمهم وأيضا أولئك الذين يعجبون جدا بالعالم الفلسطيني ويشجعون الفلسطينيين على التلويح به، مسجونون في الحقل الرمزي الذي يقارب الفاشية. في مكان ترى فيه الأعلام لا يرى فيه البشر.

عن "هآرتس"