لا غرابة إن مرّ هذا اليوم بهدوء دون قتال!‏

زياد ابو زياد.jpeg
حجم الخط

بقلم: المحامي زياد أبو زياد

 


بداية أقول بأنه إذا مر هذا اليوم الأحد ال 29/5 وقام الإسرائيليون بمسيرتهم الاستفزازية، ‏واقتحموا أسواق القدس دخولا من باب العامود، ومارسوا حقدهم وعنجهيتهم وزعرنتهم ضد أهلنا ‏في القدس، وتبجحوا وعربدوا بشكل هستيري في أسواق البلدة القديمة بالقدس وهم يطرقون ‏أبواب المحلات التجارية الفلسطينية التي أجبر أصحابها على إغلاقها قسرا، دون أن يضع أحد ‏حدا ً لهذه الزعرنة والبلطجة، فإن ذلك يجب أن لا يُزعزع إيماننا وثقتنا بأن كل هذه العربدة ‏والزعرنة والضجيج العنصري الاستفزازي لا يمكن أن تصدر إلا عن خائف مذعور يعبر عن ‏خوفه بالضجيج تماما ً كمن يسير في ظلمات الليل يُصفر أو يُغني محاولا ً عبثا ً أن يتغلب على ‏الخوف المتغلغل في أعماقه.‏
وبعبارة أوضح، إذا حدث كل ذلك دون أن تقوم المقاومة في قطاع غزة بتنفيذ وعودها بالتدخل ‏وردع الإسرائيليين عن التمادي في غيهم واستفزازاتهم بالقدس ومنعهم من الاستمرار في هذه ‏المسيرة فإن علينا أن لا نشعر بالقلق أو خيبة الأمل بل أن نلتمس لها العذر. ‏
وعلى الجميع أن يُدرك بأنه لو كان الإسرائيليون واثقون بأن القدس باتت عاصمة لهم دون شك، ‏لما احتاجوا أن يقوموا بكل هذا الضجيج وهذه الأعمال الفجة الوقحة ضد مدنيين وجدوا
أنفسهم تحت احتلال عنصري استيطاني. ولو كان الإسرائيليون واثقون أن هذا الوضع المؤقت ‏الذي يعيشونه ليس مؤقتا ً بل سيدوم لهم لعادوا الى ممارسة الحياة الطبيعية دون ضجيج غوغائي ‏لا يصدر إلا عن مرعوب خائف. ولو كانت القدس هي فعلا ً عاصمة إسرائيل فإنني أتحدى ‏الإسرائيليين بأن يسحبوا جنودهم ورجال أمنهم من شوارع القدس ثم يروا هل يجرؤ أي ٌ من ‏هؤلاء المتطرفين العنصريين على الاقتراب من شوارع القدس. فهؤلاء جاؤوا للقدس تحت ‏حراب الاحتلال وتحت حراسة جيشه ورجال أمنه ووجودهم وأعمالهم الاستفزازية هي انعكاس ‏لحقيقة وجود القدس تحت الاحتلال.‏
ولكنهم يعرفون في قرارة أنفسهم أن هذا الوضع هو وضع مؤقت زائل لا محالة، ويدركون أن ‏الحيازة التي تورث تملّكا ً يجب أن تكون حيازة مستقرة وهادئة حسب أبسط المبادئ القانونية ‏التي يتعلمها طلاب سنة أولى حقوق، وأن حيازتهم للقدس لم تكن ولن تكون في أي يوم من الأيام ‏حيازة مستقرة وهادئة، وأن في القدس أهلها الذين حتى لو تخلى عنهم كل ذوي القربى، لن ‏يسمحوا لهذا الاحتلال أن يستقر أو يهدأ له بال وسيبقى حالة مؤقتة ً طارئة الى أن يزول.‏
لقد تعالت أصوات كثيرة خلال الأيام الماضية تُحذر من أنه إذا قامت إسرائيل بإجراء مسيرة ‏الأعلام كما هو مخطط لها وعبرت من باب العامود الى طريق الواد ثم بوابات الحرم الشريف ‏فإن هذا يعني أنهم حسموا وضع القدس عاصمة لهم. ولعلي أستشف من أقوال هؤلاء بأنهم ‏يريدون حث المقاومة وخاصة في غزة لتقوم بالرد اقتداء بخبرة الماضي وما سمي في حينه ‏بسيف القدس. وأقول لكل هؤلاء بأن أهل غزة أدرى بشعابها، وأن الحرب ليست نزهة ً ولا ‏ترفا ً، وأن قرار الحرب لا يمكن أن يكون رد فعل بل يجب أن يكون فعلا ً مدروسا ً بكل ما ‏يعني ذلك من أخذ لزمام المبادرة وفق حسابات دقيقة وتقدير للموقف وأخذ القرار الذي تمليه كل ‏المعطيات بعد التحقق من صحتها ووضع السيناريوهات المحتملة لكل فعل أو رد فعل.‏
ومن هنا فإنني لن أتفاجأ ولن أشعر بالإحباط أو خيبة الأمل إذا تحلت المقاومة في غزة بضبط ‏النفس ولم تسمح للمسيرة الاستفزازية الوقحة أن تنجح في استفزازها وجرها الى معركة ربما ‏ليست في وقتها. ‏
بل وأكثر من ذلك فإنني ادعو من هذا المنبر بأن لا تنجر المقاومة الى حرب تُفرض عليها وأن ‏لا ترقص على إيقاع طبول العدو بل تهيئ وتتهيأ لخلق الظرف الذي يجعل العدو يرقص على ‏صوت طبولها.‏
وإذا كنت لن أشعر بالإحباط أو اليأس إن لم أر الصواريخ تنطلق من غزة صوب إسرائيل، بل ‏سأتفهم وضع الأهل في غزة والتمس لهم العذر الذي اضطرهم الى كظم الغيظ والقبض على ‏الجمر بأصابع غير مرتعشة، فإنني لن أستغرب أو أتفاجأ أيضا ً اذا خرجت جماهير القدس ‏والضفة لتقول لهذا الاحتلال العنصري "لا" وألف ألف لا...‏
مسيرة الأعلام ليست مسيرة احتفالية بالمفهوم المتعارف عليه بكل قواميس اللغة وإنما هي مسيرة ‏همجية عنيفة وتُشكل عدوانا ً سافرا ً على حياة المواطن المقدسي وأمنه وسلامته وحريته الفردية ‏والجمعية. فهؤلاء الغزاة لا يسيرون حاملين الأعلام فقط بل هم كالذئاب الجائعة المرعوبة ‏المسعورة يعتدون على كل ما هو عربي في طريقهم، وما يسمى بشرطة الاحتلال بالقدس تقف ‏عاجزة عن حماية المقدسيين العزل من السلاح فلا تكبح جماح متطرفيها وتمنعهم من الاعتداء ‏على العرب وممتلكاتهم وإنما تطلب من المقدسيين أن يُغلقوا محلاتهم وأن يخلوا الشوارع ‏ويختبئوا في بيوتهم خشية من المتطرفين اليهود، وتُنكر عليهم حقهم في ممارسة حياتهم اليومية ‏بهدوء وأمان. وهذا هو أكبر دليل على تواطؤ هذه الشرطة أمام المسيرة العنصرية الاستفزازية أو ‏عجزها عن الوقوف أمامها.‏
وأخيرا ً، لا بد من التأكيد على حق المواطن المقدسي الفلسطيني المدني الأعزل من السلاح في ‏أن يمارس حياته اليومية الاعتيادية، وإذا عجزت شرطة الاحتلال عن تمكينه من ممارستها فإن ‏من حقه أن يدافع عن نفسه وعن أمنه وكرامته ، بأن يتصدى لهذه المسيرة ويدافع عن حقه في ‏الحياة العادية دون تعد أو قهر أو استفزاز من أحد. وعلى من يتقاعسون عن تمكينه من ممارسة ‏هذا الحق، أو يحاولون منعه من ممارسته، أن يتحملوا مسؤولية عواقب أعمالهم.‏