واضح تماماً أنه لم يعد باستطاعة الناس أن تتعايش مع ارتفاع الأسعار في السوق، سواء أكانت حقيقية أم تعبيراً عن حالة جشع، وعدم الاستطاعة تتبعه توابع لا يمكن توقعها.
وبما أننا في بلاد لها قدسية واحتمال أن يجوع الناس فيها صعب، لكن حتماً سنصل إلى مرحلة الاختصار في الأساسيات التي ستسبب سوء تغذية وتتبعها أعباء صحية لن يتمكن النظام الصحي من تحمّلها.
قد يقول قائل نحن مشغولون بالقدس والشهداء والأسرى وقضايا مصيرية تتعلق بحقوقنا الوطنية، وهناك من يخوض في المال والاقتصاد، وهو محق في التشخيص ولكنه لم يصب كبد الحقيقة لأن من يحمل العبء في البعد الوطني الكفاحي يجب أن يكون مسنوداً بوضع اقتصادي ومعيشي مناسب لكي يوفر احتياجاته الأساسية ويستمر بمسيرته الوطنية.
ويرى البعض غياب البرنامج الاجتماعي الاقتصادي للفصائل والأحزاب السياسية الذي بناء عليه تتم المساءلة وتقرير وجهة الناخب في الاختيار وغيره، وهذا يمتد إلى آلية مساءلة الحكومة على الأداء في هذا الملف؛ على أي أسس سيحاسب حزب سياسي فلسطيني الحكومة إذا كان لا يمتلك برنامجاً سياسياً اجتماعياً، وهنا تقع الكارثة أن المنظومة السياسية لا تمتلك هذه الأسس وفقط تنقل رأي الناس المنشور عبر وسائل التواصل الاجتماعي وقد ينشرونه فقط دون أي تعليق.
وتقوم نقابات مهنية وعمالية واتحادات شعبية بمطالبات (محقة وعادلة) لرفع رواتب أعضائها في القطاع الحكومي وهيئات الحكم المحلي، بينما يفتقد بقية العاملين في الجهتين المشغلتين كلتيهما مثل هذه الحقوق، وهنا يقع تفاوت غير محمود في سلّم الرواتب يعصف بحقوق بقية الوظائف التي لا تنال أي علاوات مثل البقية.
أما الفقراء ومحدودو الدخل فلا صدى لصوتهم بالمطلق، فالأحزاب والفصائل عزفت عن الاهتمام بهم لغياب برامجها في هذا الشأن، وباتت مؤسسات العمل الأهلي منشغلة ببرامج ونشاطات ممولة تحاكي مواضيع لا علاقة للشأن الاقتصادي بها، وتنشغل مراكز الأبحاث الاقتصادية والاجتماعية بقضايا ذات عناوين كبرى تحاكي دولاً عظمى وليس مواطناً فقيراً يعاني من الحصار وانعدام حرية الحركة وعدم السيطرة على موارده الطبيعية.
تبقى المعادلة الأساسية هي لدى الحكومة التي يجب أن تنحاز للفقراء ومحدودي الدخل، وهذه المعادلة لدى الحكومة اقتصرت على إطلاق وعود تحت ضغط الأزمة والاحتجاج فتبادر إلى تبني بعض القرارات التي وعدت بها تحت ظل الأزمة وتترك البقية رغم نقاشها في المجلس الفلسطيني لحماية المستهلك واتخاذ إجماع عليها من الوزارات والقطاع الخاص وجمعية حماية المستهلك.
محزن في ضوء غياب مساءلة المجلس التشريعي وغياب دور مساءلة القوى والأحزاب، واقتصار المراسلات والمطالبات على جمعية حماية المستهلك التي لا تمتلك مخالب لها أساسها الالتفاف الشعبي الحقيقي.
الحكومة صاحبة القول الفصل وعليهم العودة فوراً لما اتفقوا عليه في اجتماع الخليل وما أقروه في المجلس الفلسطيني لحماية المستهلك، ولا شأن لنا بتعديل قانون الضريبة ليتمكنوا من تحقيق صفر ضرائب على السلع الأساسية كما وعدوا، فليذهبوا إلى مرسوم رئاسي أو قرار رئاسي ليسعفوا الفقراء ومحدودي الدخل، وكما خفضت ضريبة الوقود لدى السوق الإسرائيلي وتحقيق استرجاع ضريبي على الوقود هناك يجب أن يتم تحقيق ذات العمل لدينا.
وكما قلنا أمام جهات مختصة أثناء نقاش السلم الأهلي نكرر هنا أن الاقتصاد والوضع المعيشي والحياة الكريمة مفتاح السلم الأهلي، ويجب أن نحذر من نقل ملف الغلاء إلى جهات تحوله للاستخدام وليس للإنجاز من يد جهات مسؤولة ومساءلة ومعروفة العنوان، وستجلس جهة مسؤولة معروفة على الطاولة وتقول لكم عودوا لما قلناه معاً من تخفيفات على الوضع المعيشي.