ثلاث "نكسات" أخرى كبرى، اعقبت "النكسة" التي أحاقت بالامة في ذكراها السنوية الخامسة والخمسين.
الاولى : أطاحت "بالاشتراكية العربية" التي تزعمها الرئيس الخالد جمال عبد الناصر ، ليحل محلها بالتدريج اسلام سياسي بزعامة "الرئيس المؤمن" محمد انور السادات ، وتدحرج هذا الاسلام من "اخوان" الى جهاد الى تكفير و هجرة الى قاعدة الى نصرة الى داعش ، وخلال ذلك ، رغم انه لم يصل الى سدة الحكم ، الا أنه بالتأكيد نجح في إعادة المرأة (نصف الأمة) الى البيت والقمقم ، و بدلا ان تسهم في عملية الاستنهاض ، اصبحت عبئا على الرجل (نصف الامة الآخر) ، و راجت الجملة الدينية في كل الشوارع العربية من الروضة الى المدرسة الى الجامعة الى التلفزيون والاذاعة والاعراس والمآتم والصحف و زيادة الجوامع والمساجد والمصليات حتى في المستشفيات والجامعات ، ووصل الامر ان يكون اسمها على رقاع زفافها حرام . كل هذا على حساب تحرير فلسطين . من الامثلة الساطعة انه بعد الاطاحة بالقذافي ، اعلنت "الثورة" البشرى للشعب الليبي انه اعيد العمل بتعدد الزوجات، اما الثورة الفلسطينية التي "حررت" فلسطين وفق اتفاقية اوسلو ، فعوضا ان يكون مفتيا واحدا لكل فلسطين ، عين ياسر عرفات مفتيا في كل مدينة.
النكسة الثانية تمثلت في إنكشاف حقيقة النظام العربي الذي اعترف باسرائيل، و رفع علمها في عواصمه بدءا بمصر والاردن، مرورا بالخليج والمغرب والسودان وانتهاء بالسعودية التي تتحين الفرص للتوقيع، ولبنان الذي كادت انتخاباته الاخيرة ان تقوده الى هناك. إن حقيقة هذه العلاقات لم ولن تقتصر على تبادل تجاري و سياحي و سكك حديد و موانيء و مطارات و غيرها ، بل في تطورها نلمح بوضوح علاقات عسكرية وامنية تلامس حدود الاحلاف ، و لم يعد سرا ولا مخجلا ان الامة العربية من خلال انظمتها قد استبدلت اسرائيل كعدو بالعدو الايراني ، و على اسمه تشن الحرب على اليمن للسنة السابعة، و على حدوده المائية الجنوبية من جهة الامارات تقوم قواعد عسكرية اسرائيلية.
اما النكسة الثالثة ، فهي انتكاستنا في ثورتنا الفلسطينية ، ممثلة في السلطة الوطنية التي أعطت كل شيء دون ان تأخذ اي شيء ، وتنازلت عن الثورة في سبيل الدولة ، ففقدت الاثنتين ؛ الثورة والدولة ، واستغرقها هذا حوالي ثلاثين سنة ، اي ما يزيد عن نصف عمر النكسة ، وخلالها ، سقطت ابعد من السياسة والامن الى الاقتصاد الى الاجتماع الى الاعلام الى الادارة الى الصحة الى القضاء الى الاخلاق الى الديمقراطية ، و في كل من العناوين السابقة ، تستطيع ان تضع صفحات من المعادلات ، ابرزها حل التشريعي والغاء الانتخابات وحالة الانقسام مع القوى والفصائل الاخرى ، انقساما تشرذميا طال الناس و طال الارض ، وأخيرا طال الحركة الام ، واصبحت شبه عاجزة عمن ترضع من ثدييها ؛ و لسان حالها: كلهم اولادي.
وبالقياس العامي إزاء النكسات الثلاث: يا ما أحلى النكسة الاولى.