التزم البيت الأبيض الصمت حيال ما تم تداوله في الصحافة حول نية الرئيس الأمريكي زيارة المنطقة نهاية شهر يونيو الحالي، رغم أن الصحافة العبرية حددت موعداً لزيارته لدولة الاحتلال بل وتحدثت حول برنامج الزيارة والذي يشمل تفقد القبة الحديدة وزيارة "ياد فاشيم" ولقاء رئيس الوزراء ورئيس الدولة على أن تشمل جولته زيارة مستشفى المقاصد في القدس، وفي اليوم التالي يقوم بزيارة كنيسة المهد في بيت لحم ويلتقي الرئيس الفلسطيني محمود عباس، لكن الواضح أن زيارة الرئيس الأمريكي للمنطقة لن تتم هذا الشهر والحديث يدور حول تأجيلها إلى الشهر المقبل أو بعد ذلك وتم تبرير ذلك بالرغبة في توسيع نطاق الجولة والترتيب لها لتشمل اللقاء بزعماء عرب.
الحقيقة أن الرئيس الأمريكي يأتي إلى المنطقة ولا يحمل معه ما يثير الانتباه تجاه الملفات المختلفة، فلم تتبلور لدى الإدارة الأمريكية رؤية حول الصراع الفلسطيني الإسرائيلي يمكن بها أن ينحي جانباً صفقة القرن سيئة السمعة ويفتح نافذة أمل ولو ضيقة لحل الصراع، وحتى التعهد بفتح قنصلية أمريكية في القدس الشرقية بما يمثله من إشارة ولو بسيطة لفكر مغاير عن سلفه "ترامب" لم يجد طريقه للتنفيذ، يضاف إلى ذلك ترنح الحكومة الإسرائيلية وإمكانية سقوطها في أي لحظة، وبالتالي ملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الذي يحمله بايدن في حقيبته لا توجد بين دفتيه سوى قائمة المساعدات العسكرية والاقتصادية التي سيقدمها لإسرائيل وقصاصة تحمل كلمات إنشائية يلقيها على مسمع من الرئيس الفلسطيني، وفيما يتعلق بالملف النووي الإيراني لا يحمل بايدن معه ما ترغب به إسرائيل من جهة ولا ما يمكن أن يطمئن به حلفاءه في المنطقة من جهة أخرى، وأما ما يتعلق بملف التطبيع العربي مع إسرائيل فيجب ألا يعول عليه كثيراً لما له من رفض شعبي جملة وتفصيلاً.
لا يمكن لبايدن في زيارته للمنطقة أن يفعل ما فعله أوباما حين استحضر معه بعض التعاليم الممشوقة القوام المتعلقة بالديمقراطية التي ترعاها الولايات المتحدة من خلال الفوضى الخلاقة، فالدول العربية لم تتعاف بعد من الكوارث التي جلبتها تلك الفلسفة الهدامة، ولم يعد خافياً على أحد رعاية الإدارة الأمريكية للتنظيمات الإرهابية وفكرها المتطرف والتي عاثت فساداً وإفساداً في المنطقة، ولا يمكن لبايدن أن يحذو حذو ترامب معتمداً على البلطجة والابتزاز، فأمريكا اليوم ليست أمريكا قبل سنوات قليلة، حيث صورة الجنود الأمريكيين وهم يفرون في مطار كابول كشفت زيف "البروباغندا" الأمريكية، وعجزها حيال الغزو الروسي لأوكرانيا وكيف أنها دفعت بحليفتها أوكرانيا للإنتحار دفاعاً عن المصالح والأطماع الأمريكية، والحصار الاقتصادي لروسيا الذي ابتدعته أمريكا وسار في ركبها الغرب جاء بنتائج وخيمة عليهم في الوقت الذي لم يلحق بروسيا الأذى المتوقع.
ليس أمام بايدن سوى أن "يلحس" عبارته "السعودية منبوذة وستدفع الثمن"، فهو بحاجة اليوم للسعودية أكثر من حاجتها إليه، حيث التضخم الاقتصادي الأمريكي هو الأعلى منذ عام ١٩٨١، وطالما إستمرت أسعار النفط على حالها فإن التضخم سيواصل صعوده، من هنا لا يمكن لبايدن تجاهل السعودية ودول الخليج في جولته للمنطقة لحثهم على زيادة انتاج النفط رغم معرفة الجميع بأن مسار الغزو الروسي لأوكرانيا هو المتحكم بأسعار النفط أكثر من غيره من العوامل، ولم يعد بإمكان بايدن استخدام عصا قضية مقتل جمال خاشقجي للتلويح بها بوجه السعودية فقد طوتها أحداث من شأنها أن تعيد بناء النظام العالمي من جديد، ومن الصعب على بايدن أن يزور المنطقة ولا يلتقي بالرئيس المصري "عبد الفتاح السيسي"، فحجم مصر ووزنها في المنطقة والنهضة التي تشهدها ستفرض عليه تنحية عبارته جانباً التي أطلقها قبل انتخابه رئيساً للولايات المتحدة حين وصف الرئيس المصري "ديكتاتور ترامب المفضل"، والأهم أنه لن يتمكن من تشغيل الأسطوانة المشروخة حول حقوق الانسان والتوقف عن ملاحقة المعارضة التي لطالما استخدمها الرؤساء الأمريكيين للتلويح بها في وجه القيادة المصرية، سيما بعد الدور الهدام الذي لعبته المنظمات الأهلية المصرية المدعومة من أمريكا في إثارة الفوضى وإشعال الفتن.
لن يأتي بايدن إلى المنطقة بوصفه شرطي العالم الذي يهابه الجميع ليلقي على مسامع القادة العرب تعليماته القائمة على الترهيب وأنهم بدون حماية أمريكا ستتهاوى عروشهم كحجارة الدومينو، بل قد تكون فرصة أمام العرب إن أحسنوا استغلالها لإعادة صياغة العلاقات العربية الأمريكية على قاعدة المصالح المتبادلة وليس على قاعدة العبد وسيده، فلم يعد السيد سيداً ليبقى العبد عبداً.