كي لا نعض جميعاً أصابع الندم

AZ01p.jpeg
حجم الخط

بقلم د. أسامه الفرا

 

 

 بين فترة وأخرى يطفو على السطح السؤال حول من سيخلف الرئيس الفلسطيني محمود عباس؟، ولا أعرف لماذا يثير السؤال حفيظة البعض ليضعوا سائله في دائرة الشبهات وكأنه جاء ببدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، ولا أجد مبرراً لمواجهة السؤال بالتأكيد على أن صحة الرئيس "أطال الله في عمره" على خير ما يرام فليس هناك ثمة رابط بينهما، فلم يسأل أحد من سيخلف الرئيس "أبو عمار" حين كان بين الحياة والموت في مستشفى بيرسي العسكري في باريس، لأن الصورة وقتها كانت واضحة لا يكتنفها الغموض، حيث أن السيد محمود عباس كان يتقدم على غيره من أعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح ولم يجد مزاحمة من أحد على رئاسة الحركة بعد رحيل الرئيس ياسر عرفات، وكان يشغل أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وبالتالي جرى انتخابه رئيساً للجنة التنفيذية دون منافسة من أحد، وفيما يتعلق برئاسة السلطة الفلسطينية جرت طبقاً لما نص عليه القانون.
اختلاف الواقع الذي نعيشه اليوم وضبابية السيناريوهات المختلفة عما كان عليه الحال حين رحيل الرئيس "أبو عمار" هو الذي يقذف بسؤال من سيخلف الرئيس أبو مازن؟، والأمر يتعلق بالرئاسات الثلاث التي يشغلها الرئيس عباس "حركة فتح.. اللجنة التنفيذية.. السلطة الفلسطينية"، ولنأخذ أولاً رئاسة حركة فتح حيث تلتئم اللجنة المركزية للحركة وتنتخب من بين أعضائها رئيساً لها، قد يبدو الأمر يسيراً ولا حاجة للتنبؤ بما هو غير ذلك، لكن واقع الحال داخل اللجنة المركزية يميل إلى غير ذلك، حيث الطامحين في وراثة رئاسة الحركة كثر سيما وأنها البوابة التي تقود لغيرها، وداخل اللجنة المركزية هناك نائب رئيس الحركة "محمود العالول" وأمين السر "جبريل الرجوب" وأعضاء في اللجنة المركزية لا يمكن لأحد حجب طموحهم يتقدمهم الأسير مروان البرغوثي، وبالتالي فإن التنافس على رئاسة الحركة سيخلق تحالفات غير تلك القائمة حالياً وربما مع من تم إقصائهم منها، وإن سلمنا جدلاً بأن اللجنة المركزية تجتمع وتنتخب من بين أعضائها رئيساً للحركة فالأهم ألا يكون لتلك الانتخابات ارتدادات من الصعب احتوائها.
ثانياً ما يتعلق برئاسة اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، قد يبدو الأمر أيسر سيما بعد قرار الرئيس بتعيين الأخ حسين الشيخ أميناً للسر وبالتالي بات الأقرب لتولي رئاسة اللجنة التنفيذية بعد الرئيس أبو مازن، خاصة وأن الفصائل لا تزاحم حركة فتح على رئاسة اللجنة التنفيذية باعتبار أنها الفصيل الأكبر وعامود خيمة المنظمة، لكن ما قد يجعل الأمور لا تسير بهذه السلاسة هو أن الفصائل لم تتشاور على الأقل في قرار تعيين الأخ حسين الشيخ، هذا بالإضافة إلى تصدع علاقة فتح مع بعض فصائل منظمة التحرير والذي قد يرتد في مسألة انتخاب رئيس اللجنة التنفيذية، يضاف إلى ذلك أن قرار التعيين أثار حفيظة بعض أعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح أو على الأقل دون التشاور معهم.
ثالثاً رئاسة السلطة الفلسطينية وهنا تكمن عقدة النجار، حيث لم يعد السيد عزيز دويك رئيساً للمجلس التشريعي الذي يخوله تولي رئاسة السلطة الفلسطينية بشكل مؤقت على أن تجري الانتخابات الرئاسية خلال شهرين حسب نص القانون، بل أن المجلس التشريعي ذاته لم يعد قائما بعد قرار حله في ديسمبر ٢٠١٨، وبالتالي قد نكون أمام ثلاثة سيناريوهات الأول أن يتم اللجوء إلى رئيس المجلس الوطني لتولي رئاسة السلطة إلى حين إجراء الانتخابات، والثاني أن تكلف اللجنة التنفيذية رئيسها بتولي مهام رئاسة السلطة ويمكن لها تدعيم قرارها بدعوة المجلس المركزي لإقرار ذلك، والثالث أن يتولى رئيس المحكمة الدستورية رئاسة السلطة إلى حين إجراء الانتخابات كما حصل في مصر وإن كان هذا الخيار مستبعد، وما يزيد الأمور تعقيداً أن أي من هذه الخيارات لن يحظى بموافقة حركتي حماس والجهاد الإسلامي ومن الوارد جداً أن تنضم إليهما فصائل من داخل منظمة التحرير، والأهم هل باستطاعتنا أن نذهب إلى انتخابات رئاسية خلال شهرين أم أن المؤقت سيصبح دائماً ولن يعجز الداعمون لذلك عن إيجاد المبررات وخلق الذرائع؟.
ضبابية المشهد بعد الرئيس "أبو مازن" لا تفرض علينا طرح سؤال من سيخلفه والترتيبات الضرورية التي تسبق ذلك فقط بل أن هناك سؤال أكثر إلحاحاً وهو بمثابة قرع لجدران خزان حركة فنح، هل باستطاعة الحركة بالحالة التي عليها أن تقود السفينة بعد غياب الرئيس "أبو مازن" عن المشهد بما فيها من استحقاقات وبخاصة الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمجلس الوطني؟، نتائج الانتخابات "المحلية والنقابية ومجالس الطلبة" تؤكد بأن فتح ليست بخير، وأن عليها تدارك الأمر اليوم قبل الغد والجميع يعلم السبيل نحو ذلك، والذي يكمن في أن تبادر اللجنة المركزية دون انتظار باجراء مصالحة حقيقية داخل الحركة تعيد لها لحمتها ويكون لها مؤسساتها القادرة على اتخاذ القرار بعيداً عن المصالح الذاتية الضيقة، وليت الرئيس يكون هو الراعي لذلك والحاضن لها، وإن تقاعست قيادة الحركة عن التحرك بجدية نحو لم شتات الحركة وإصلاح حقيقي يشمل برنامجها الوطني وإعادة الاعتبار لدورها النضالي وتشييد بنيتها التنظيمية بما يؤهلها للقيام بواجباتها، يكون لزاما على الكوادر الفتحاوية الحريصة على إرث وتاريخ الحركة ومستقبلها أن تأخذ بزمام المبادرة كي لا نصل إلي لحظة يعض فيها الجميع أصابع الندم ويكون السيف قد سبق العذل.