أثار قرار الرئيس الفلسطيني محمود عباس القاضي بوضع الأمانة العامة للمجلس التشريعي بموظفيها ومكوناتها ومرافقها كافة تحت المسؤولية المباشرة لرئيس المجلس الوطني الفلسطيني النقاش حول عملية إحلال مؤسسات منظمة التحرير في النظام السياسي بديلا عن هياكل السلطة الفلسطينية المنصوص عليها في القانون الأساسي من جهة.[1] وفتحت النقاش على الآليات المستحدثة في بنية النظام السياسي الفلسطيني الهجين "المنظمة والدولة /والسلطة" لانتقال الحكم في حال شغور منصب الرئيس من جهة ثانية.
إن خلق مأسسة أو استحداث أسس "دستورية" لضمان انتقال سلس لخلافة الرئيس أو ملئ الشاغر في منصب رئيس الدولة بقرارات سياسية سيخلق أزمة دستورية وسياسية داخلية في ظل تنازع القواعد الناظمة لاختيار رئيس الدولة وفقا للإجراءات المعمول بها في النظام القانوني لمنظمة التحرير الفلسطينية التي تعتمد على قرار من المجلس المركزي لتعيين رئيس الدولة، وفي النظام القانوني للسلطة الفلسطينية؛ حيث نصت المادة 115 من القانون الأساسي المعدل للعام 2003 (دستور دولة فلسطين) على أنه "يعمل بأحكام هذا القانون الأساسي مدة المرحلة الانتقالية ويمكن تمديد العمل به إلى حين دخول الدستور الجديد للدولة الفلسطينية حيز التنفيذ". لكن ذات القانون ينص في أكثر من موضع على وجوب انتخاب الرئيس من قبل الشعب الفلسطيني.
يطرح شغور منصب رئيس الدولة تحدياً إضافياً أمام النظام السياسي الفلسطيني في ظل ظروف غاية في التعقيد، فمن جهة غياب مشروعية النظام السياسي دون وجود للانتخابات، ومن جهة ثانية حالة الانقسام المتفاقمة، ومن جهة ثالثة الصراع الداخلي الخفي على الخلافة وتعزيز مراكز النفوذ في مؤسسات المنظمة ومؤسسات الدولة المدنية والأمنية.
تهدف هذه الورقة إلى استعراض التحولات في طبيعة النظام السياسي الفلسطيني واحلال مؤسسات المنظمة في مؤسسات الدولة وتأثير قرارات المجلس المركزي على مستقبل عملية الخلافة في حال شغور منصب رئيس الدولة، وعرض الخيارات المتاحة لسد الشغور في منصب رئيس الدولة ومواقف الأطراف المختلفة ذات التأثير المباشر في النظام السياسي. تسعى الورقة لطرح توصيات لمؤسسات الدولة بهدف تفادي التنازع المؤسسي عند شغور منصب رئيس الدولة الفلسطينية والخلافات الداخلية والحفاظ على مشروعية النظام السياسي الفلسطيني.
ثلاثة تحولات على طريق الاحلال في النظام السياسي الفلسطيني
جرى في السنوات العشرة الأخيرة ثلاثة تحولات في طبيعة النظام السياسي باتجاه عملية إحلال مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية بديلا عن مؤسسات السلطة الفلسطينية التي تم انشاؤها في العام 1994 بناء على الاتفاق الفلسطيني الإسرائيلي "أوسلوا" من خلال الانتقال من مؤسسات السلطة إلى مؤسسات الدولة. التحول الأول بدى إثر رفع مكانة فلسطيني إلى دولة مراقبة في الأمم المتحدة بموجب قرار المعية العامة للأمم المتحدة رقم 29/67 الصادر في 26 تشرين ثاني/ نوفمبر 2012. وقد كان أحد تجليات تجسيد هذا القرار استبدال اسم "السلطة الوطنية الفلسطينية" بدولة فلسطين في المؤسسات الفلسطينية الرسمية، ومن ثم شطب كلمة رئيس السلطة الوطنية من توقيع الرئيس على القرارات بقوانين والمراسيم والقرارات الرئاسية وتذيلها برئيس دولة فلسطين ورئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية.
أما التحول الثاني فقد كان إثر قرار حل المجلس التشريعي، وفقا لقرار المحكمة الدستورية التفسيري في الثاني عشر من كانون أول/ ديسمبر 2018 الذي قضى "بحلّ المجلس التشريعي والدعوة إلى انتخابات تشريعية خلال ستة شهور من تاريخه" ، فقد تجلى ذلك بتغيّر على الصياغة التشريعية التي تصدر بموجبها التشريعات الفلسطينية الصادرة عن رئيس السلطة الفلسطينية بدءاً من العدد 152 من الجريدة الرسمية الصادر بتاريخ 19/2/2019 ، حيث تم شطب النص "استناداً لأحكام القانون الأساسي المعدّل لسنة 2003م وتعديلاته، لا سيما أحكام المادة 43 منه" من مقدّمة القرارات بقانون وأصبحت هناك صياغة أخرى هي: "استناداً إلى النظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية" كما تم شطب المادة في الاحكام الانتقالية في القرارات بقوانين والتي تنص على أنّ القرار بقانون يُعرَض على المجلس التشريعي في أول جلسة يعقدها لإقراره والتي يجب أن ترد في كلّ قرار بقانون.[2]
هذا التغيير الدستوري جاء كمحاولة لإلغاء وجود المجلس التشريعي من النظام السياسي والتسليم بأنّ البديل القادم هو المجلس المركزي الفلسطيني الذي منح كامل صلاحيات المجلس الوطني التشريعية والرقابية المنصوص عليها في النظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية بموجب قرار المجلس الوطني بتاريخ 4/5/2018 المعلن في "إعلان القدس والعودة صادر عن دورة القدس وحماية الشرعية الفلسطينية".[3]
أما التحول الثالث فقد جاء في القرار المذكور سابقا للمجلس المركزي بدورته الحادية والثلاثين المنعقدة في بتاريخ 6-8 شباط/ فبراير 2022 القاضي بـ"ضرورة مواصلة العمل على تكييف الوضع القانوني لمؤسسات الدولة الفلسطينية وعلاقاتها الدولية تنفيذاً لقرار الجمعية العامة رقم 19/67 للعام 2012" الخاص برفع مكانة فلسطين إلى دولة مراقبة في الأمم المتحدة. وبضرورة ممارسة المجلس المركزي لصلاحياته الدستورية وولايته الرقابية على الجهات التنفيذية في المنظمة وأجهزتها ومؤسساتها، وعلى السلطة الوطنية الفلسطينية وعمل الاتحادات والنقابات والجمعيات وفق القوانين التي تنظم عملها. وكانت احدى تجليات قرار المجلس المركزي أعلاه اصدار الرئيس قرارا يقضي بـ"وضع الأمانة العامة للمجلس التشريعي ومكوناتها ومرافقها كافة تحت مسؤولية رئيس المجلس الوطني" على طريق عقد المجلس المركزي اجتماعاته في مقر المجلس التشريعي وانتظامها، وتحويله إلى برلمان دولة فلسطين كأمر واقع "" لغياب عملية الانتخابات والحفاظ على مشروعية النظام السياسي.[4]
تنازع القواعد الدستورية الحاكمة لعملية انتقال الحكم
مما لا شك فيه أن عملية انتقال الحكم تتطلب تفعيل القواعد الدستورية والقانونية واحترام دور المؤسسات السياسية القائمة وممارسة صلاحيات واختصاصات رئيس الدولة الدستورية بشكل يحفظ وجوبيتها ويحترم سيادة القانون وتعزيز المؤسسات، بالحفاظ على المشروعية في النظام السياسي لأحد أهم المناصب الدستورية في البلاد. لكن في حالة شغور منصب الرئيس فإن احتمالية تنازع النصوص الدستورية والقانونية سيكون قائما على هوية القواعد الناظمة لمثل هكذا حالة بين نصوص واحكام القانون الأساسي المعدل للعام 2003 وقواعد النظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية وقرارات المجلس الوطني الفلسطيني في اختيار رئيس دولة فلسطين.
تشير أحكام المادة 37 من القانون الأساسي المعدل 2003 "الدستور المؤقت" إلى أَنَّه "يعتبر مركز رئيس السلطة الوطنية شاغراً في أي من الحالات الآتية: أ-الوفاة. ب-الاستقالة المقدمة إلى المجلس التشريعي الفلسطيني إذا قبلت بأغلبية ثلثي أعضائه. ج-فقد الأهلية القانونية وذلك بناء على قرار من المحكمة الدستورية العليا وموافقة المجلس التشريعي بأغلبية ثلثي أعضائه. إذا شغر مركز رئيس السلطة الوطنية في أي من الحالات السابقة يتولى رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني مهام رئاسة السلطة الوطنية مؤقتاً لمـدة لا تزيد عن ستين يوماً تجرى خلالها انتخابات حرة ومباشرة لانتخاب رئيس جديد وفقاً لقانون الانتخابات الفلسطيني". كما أن قرار بقانون رقم (1) لسنة 2021 تعديل قرار بقانون رقم (1) لسنة 2007م بشأن الانتخابات العامة نص على انتخاب رئيس دولة فلسطين صراحة من الشعب الفلسطيني وهو ينطبق على الضفة الغربية وقطاع غزة، وفي ذات الوقت تنص المادة 3 من القرار المعدل لسنة 2021 على أن الذي يدعو إلى الانتخابات هو: رئيس دولة فلسطين رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، حسب نص المادة 3 من القرار بقانون "عدل المادة (2) من القانون الأصلي، لتصبح على النحو التالي: يصدر رئيس دولة فلسطين، رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، مرسوماً رئاسياً، خلال مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر قبل تاريخ انتهاء مدة ولايته أو ولاية المجلس التشريعي، يدعو فيه لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية أو أي منهما في دولة فلسطين، ويحدد فيه موعد الاقتراع، وينشر هذا المرسوم في الجريدة الرسمية، ويعلن عنه في الصحف المحلية.[5]
إنَّ هذه القاعدة الآمرة، وفقا للمشرع الدستوري، توجب تولي رئيس المجلس التشريعي (السلطة التشريعية) في حالة شغور منصب رئيس الدولة، أيْ أنَّها تتطلب وجود مجلس تشريعي (سلطة تشريعية) منتخب قائم وفاعل، وفي نفس الوقت لم تمنح هذه القاعدة الدستورية أيَّاً من الأطراف الأخرى في النظام السياسي تولي الرئاسة المؤقتة. كما أنَّ هذا النص قائم على أساس أنَّ النظام السياسي يعتمد على قواعد ديمقراطية للانتقال السياسي أو تولي المناصب السياسية الرئيسية كالرئاسة وعضوية المجلس التشريعي ويتنافى مع آليات التعيين في هذه المناصب. لكن الحالة، "شغور منصب رئيس الدولة/ السلطة الفلسطينية"، إنْ حصلت في قادم الأيام فإنَّ الفلسطينيين أمام حالة من تنازع القواعد الدستورية لغياب وجود مجلس تشريعي منتخب مباشرة من الشعب الفلسطيني، وضعف مشروعية تطبيق الشطر الثاني من نص المادة 37 من القانون الأساسي الأمر الذي يضع النظام السياسي الفلسطيني في مأزق دستوري.
في المقابل فإن أحكام النظام الأساسي لمنظمة التحرير تشير إلى آلية اختيار رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية في حال شغور المنصب بشكل واضح، حيث ينص البند الثاني من المادة 13 للنظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية على انه "يتم انتخاب رئيس اللجنة التنفيذية من قبل اللجنة" والتي هي تنتخب فقط من قبل المجلس الوطني الفلسطيني وفقا لنص المادة نفسها. لكن المجلس الوطني في دورته الثالثة والعشرين بمدينة رام الله "دورة القدس وحماية الشرعية" في الفترة 30/4- 3/5/ 2018، فوض المجلس المركزي بجميع صلاحياته بموجب إعلان "القدس والعودة" الصادرة عنه "تفويض المجلس المركزي لمنظمة التحرير بكافة صلاحياته بين دورتي انعقاده بهدف تعزيز وتفعيل دور المنظمة وتطوير الأداء والقدرة على التحرك ومواجهة متطلبات مرحلة تتعاظم فيها التحديات".
خياران مؤسسيان محتملان لاختيار الرئيس القادم
يستعرض هذا القسم من الورقة خيارين هما الأكثر احتمالية لاختيار الرئيس الفلسطيني القادم بناءً على القواعد الدستورية الحاكمة للنظام السياسي الرسمي في ظل الوضع القائم دون احتساب لتحولات سياسية أو مجتمعية غير مؤسسية قد تنشأ في بنية النظام السياسي القائم، أو تحول في بنية النظام الداخلية بإجراء الانتخابات العامة؛ حيث يستبعد كاتب هذه الورقة إجراء الانتخابات العامة (التشريعية ورئاسية أو أحد منهما) في المدى المنظور (قبل شغور منصب الرئيس الحالي)، خاصة بعد تأجيل الانتخابات العامة في العام الفائت وارتهان إجرائها على موافقة الحكومة الإسرائيلية وفقا لبروتوكول الانتخابات المرفق بالاتفاقية الفلسطينية الإسرائيلية للمرحلة الانتقالية بإجراء الانتخابات في مدينة القدس.
الخيار الأول: اختيار رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية رئيساً لدولة فلسطين
يتم في هذا الخيار تولي رئيس اللجنة التنفيذية الجديد، إثر شغور منصب رئيس اللجنة التنفيذية للمنظمة، رئاسة الدولة بقرار من المجلس المركزي. تنص أحكام المادة 13 من النظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية على آلية اختيار رئيس اللجنة التنفيذية وفقا لما بيناه أعلاه. لكن يحتاج إلى قرار المجلس المركزي في عملية التنصيب لمنصب رئيس الدولة وفقا لقرارات المجلس الوطني التي فوضت المجلس المركزي في العام 1988 تعيين رئيس الدولة أو بموجب قرار المجلس الوطني في الدورة الثالثة والعشرين (اعلان القدس والعودة) بتفويض جميع صلاحياته للمجلس المركزي.[6]
هذا الخيار يتميز بأنه سهل الإجراء ويحتاج فقط لعقد جلسة للمجلس المركزي الفلسطيني، وهو لا يتطلب إجراء انتخابات رئاسية في المدى المنظور على الأقل في ظل عدم القدرة على إجرائها، ويُبقي كلا المنصبين "رئيس منظمة التحرير ورئيس الدولة" بيد شخص واحد ما يحول دون تنازع الصلاحيات والصراع على السلطة "Power" بين أركان النظام السياسي المزدوج. ويعزز عملية الاحلال في النظام السياسي لصالح مؤسسات منظمة التحرير على حساب المؤسسة العامة التي تم تأسيسها بعد عام 1994 بموجب اتفاق أوسلو. كما أن رئيس اللجنة التنفيذية قادر على التعامل مع الأطراف الدولية والإقليمية خاصة أنَّه سيكون من ضمن أعضاء اللجنة المعروفين للمجتمع الدولي ولا يحتاج إلى الحصول على اعتراف دولي أو شرعية خارجية.
لكن هذا الخيار يحمل في طياته مخاطر متعددة منها ما يتعلق بجوانب داخلية في حركة فتح في ظل الصراع على مراكز النفوذ التي تنذر بمخاطر الصراع الأهلي من جهة، وسيزيد من حدة الانقسام بين حركتي فتح وحماس من جهة ثانية، وسيزيد من حدة الرفض داخل منظمة التحرير من قبل الفصائل التي لم تشارك في المجلس الوطني الأخير كالجبهة الشعبية أو امتنعت عن حضور جلسات المجلس المركزي كالمبادرة، أو اعرضت على قرارات المجلس المركزي كحزب الشعب من جهة ثالثة.
كما أن هذا الخيار لديه مخاطر على الحالة الديمقراطية بتغييب فرصة اختيار المواطنين للرئيس أو ممثلهم لإدارة الحكم في مخالفة لأحكام المادتين (5)[7] و(34)[8] من القانون الأساسي المعدل للعام 2003 "الدستور المؤقت" اللتان تنصان على أنْ يكون الرئيس منتخبا مباشرة من الشعب الفلسطيني من ناحية، وأحكام المادة 37 من القانون الأساسي المعدل للعام 2003 "الدستور المؤقت" الناظمة لحالة شغور منصب الرئيس/ رئيس الدولة من ناحية ثانية، الأمر الذي يعزز التحول نحو النظام الاستبدادي الذي تُغييب فيه الانتخابات العامة الحرة كأحد آليات الوصول للحكم التي تتيح إعمال مبدأ تكافؤ الفرص للأفراد والكيانات بالمنافسة، وتُبقي على احتكار السلطة التنفيذية لسلطتي التشريع والتنفيذ.
الخيار الثاني: تولي رئيس المجلس الوطني الرئاسة المؤقتة لدولة فلسطين
يفترض هذا الخيار تولي رئيس المجلس الوطني/ المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية باعتباره رئيساً للسلطة التشريعية لدولة فلسطين، إثر شغور منصب رئيس الدولة، رئاسة المؤقتة للدولة. وفقا للتوجه القائم في المجلس المركزي وقرارته في اجتماعه الأخير "الدورة الحادية والثلاثين المنعقدة في 6-8/2/2022". حيث نص بيان المجلس المركزي على تولي المجلس المركزي "صلاحياته الدستورية وولايته الرقابية على الجهات التنفيذية في المنظمة وأجهزتها ومؤسساتها، وعلى السلطة الوطنية الفلسطينية وعمل الاتحادات والنقابات والجمعيات وفق القوانين التي تنظم عملها".[9]
إنَّ أحد أهم مزايا هذا الخيار هو احترامه لأحكام المادة 37 من القانون الأساسي المنظمة لعملية انتقال السلطة في حال شغور منصب الرئيس. كما أنَّها تنسجم مع قرارات المجلس المركزي القاضية بتولي المجلس المركزي السلطة التشريعية. وتُبقي على الأمل بإجراء الانتخابات الرئاسية خلال ستين يوماً من شغور منصب الرئيس،[10] واحترام أحكام القانون الأساسي خاصة المادتين 5 و34 منه، وتساهم في تخفيف حدة الخلافات بين مراكز النفوذ في حركة فتح على الخلافة لمنصب الرئيس، وتحد من الصراع المباشر المحتمل إثر شغور منصب الرئيس. كما قد يحظى بقبول فصائل منظمة التحرير الفلسطينية أو عدم الرافض على الأقل.
في المقابل فإنَّ هذا الخيار يحمل في طياته مخاطر متعددة منها ما يتعلق بجوانب داخلية في حركة فتح في استمرار الصراع ليطال مسألة مرشح الحركة في ظل التفكك الحاصل بين "أجنحة الحركة" من جهة، وسيزيد من حدة الانقسام بين حركتي فتح وحماس فيما يتعلق بمشروعية تولي رئيس المجلس الوطني/المجلس المركزي الرئاسة المؤقتة من جهة ثانية. كما أنَّ هذا الخيار لديه مخاطر على طبيعة النظام السياسي بإحلال فعلي للمجلس المركزي غير المنتخب من الشعب بديلا عن المجلس التشريعي (البرلمان) المنتخب من الشعب مباشرة وفقا لأحكام القانون الأساسي المعدل للعام 2003 "الدستور المؤقت"، والتخوف من عدم القدرة على إجراء الانتخابات الرئاسية في المدة المحددة "الستين يوماً" قانوناً فيصح المؤقت دائماً. وبروز التنازع على الصلاحيات والصراع على السلطة بين رئيس منظمة التحرير و رئيس الدولة المؤقت-الدائم.
الخلاصة
مما لا شك فيه أنَّ الخيارين المذكورين أعلاه يثيران بقوة مسألة التخوف من تماهي المنظمة مع السلطة، واحلال مؤسسات المنظمة بدلا من مؤسسات السلطة، خاصة في ظل عدم القدرة على إجراء الانتخابات في الضفة والقطاع أو في الضفة فقط خلال المدة القانونية، أي الستين يوما، المحددة في القانون الأساسي. في هذه الحالة ستصبح المنظمة تحت ضغط التزامات السلطة الفلسطينية المنصوص عليها في اتفاق أوسلو وملحقاته المتعددة. كما أنَّ عدم إجراء الانتخابات العامة يزيد من مخاطر عدم مشروعية النظام السياسي الفلسطيني.
إنَّ المفاضلة بين الخيارين المذكورين أعلاه تستند إلى أيَّهما أكثر انسجاماً مع أحكام القانون الأساسي المعدل للعام 2003، وأكثر قدرة على فتح باب الأمل لإجراء الانتخابات العامة وبخاصة الرئاسية،[11] ويحد من احتمالية وجود نظام استبدادي يحتكر السلطة التشريعية والتنفيذية معاً، ويقلل من حدة الخلافات بين الفصائل الفلسطينية وبشكل خاص فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، ويحد من الصراع بين أجنحة حركة فتح على الخلافة. في ظل هذه الحال فإن الخيار الثاني "تولي رئيس المجلس الوطني الرئاسة المؤقتة لدولة فلسطين" ينسجم إلى حد كبير مع هذه المعايير ويخفف من وطأة عدم المشروعية القائم في النظام السياسي الفلسطيني، وضمان ترتيبات آمنة لخلافة رئيس الدولة حال شغور هذا المنصب.