كان اجتماع الحكومة، يوم أمس، حول ارتفاع الأسعار، ولو جاء متأخرا، خطوة بالاتجاه الصحيح، وبنظرة سريعة إلى القرارات التي تم اتخاذها، فدعنا نأمل بأن تساهم ليس في الحد من ولكن في كبح ارتفاع الأسعار، وبعيدا عن التعهد بمواصلة دعم السلع الأساسية والتوصية إلى القطاع الخاص بالتعاون ومواصلة الإعفاء الضريبي، إلا أن الأهم هو الآلية العملية أو الخطوات العملية فيما يتعلق بقرار تشديد مراقبة الأسعار في الأسواق، وهي الأهم على صعيد الحياة اليومية للناس.
فالحديث عن أسعار استرشادية وبالتالي تشديد الرقابة على الأسواق، والطلب من التجار بتفهم الأوضاع للناس، والتعهد بعقوبات قاسية في حال المخالفة، كل هذه الإجراءات أو القرارات لم تنفع أو تجدي في الماضي، سواء أكان البعيد أو القريب، وبالتحديد في الماضي القريب خلال شهر رمضان المنصرم، حيث تواصل ارتفاع الأسعار من بداية الشهر وحتى النهاية لكي يحرق جيب ومعدة وأعصاب المواطن العادي.
وتم ذلك في ظل عدم وجود أي تدخل فاعل مؤثر أو ملموس من مختلف الجهات، وبالأخص الجهات الرسمية أي الحكومة، التي تعهدت بأن تحدد الحدود القصوى للأسعار أو تعمل على توفير الكميات المطلوبة من السلع، وبالتالي تفتش وتضبط وتحاكم وتتابع، مثل وزارتي الاقتصاد والزراعة وغيرهما، أو من الجهات غير الرسمية التي تطالب بحماية المستهلك، أو من الغرف التجارية والتجار وجهات أخرى لا تترجم شعاراتها أو أقوالها إلى الأفعال.
والارتفاع الحاد في الأسعار، ورغم التفهم النسبي، سواء أكان بسبب الأزمة الروسية الأوكرانية أو بفعل الجفاف الناتج عن التغيرات المناخية، سواء هذا العام أو في الأعوام السابقة، أو خلال مواسم أخرى من العام، يظهر مدى الجشع والاستغلال الذي يتملك التجار وبالأخص الكبار منهم أو الموردين أو الذين يتحكمون بوصول السلع إلى صغار التجار، ومدى الاستهتار بالالتزام بأسعار استرشادية أو الشعور مع أحوال الناس، وبالأخص في ظل أحوال اقتصادية واجتماعية متردية وفي ظل مواصلة إعلان الحكومة عن الأزمة المالية وبالتالي مواصلة اقتطاع نسبة من رواتب الموظفين.
ودعنا ننتظر أياما لكي نرى كيف تترجم الحكومة قراراتها إلى خطوات عملية، وبالأخص في مجال مراقبة الأسعار في الشارع، لأن الرقابة كانت غائبة خلال أيام شهر رمضان المنصرم، التي من المفترض أن تراقب وان تفتش وان تتأكد من أن التجار يلتزمون بالأسعار، على الأقل بالأسعار الاسترشادية التي قامت السلطات الرسمية بالإعلان عنها وتحديد سقفها الأعلى وتعهدت بإجراءات من اجل الرقابة والتطبيق.
وفي ظل هذا التخبط والتكرار، ألسنا بحاجة إلى مراجعة معمقة للقوانين التي تتعامل مع الأسعار وجودة المنتجات، وألسنا بحاجة إلى مراجعة لآليات المراقبة والتفتيش والمتابعة وكيفية تحديد الأسعار الاسترشادية، وكذلك إلى مراجعة لماذا لا يردع الواقع الحالي التجار من التلاعب بالأسعار ولماذا ما زال البعض يتصرف حسب المزاج والأهواء، وكذلك أليست من الضروري إعادة دراسة آليات التواصل مع المستهلك، وفي أساليب متابعة شكواه، وكذلك في الآليات المتبعة، للإثبات له أن هناك جهات، سواء أكانت رسمية أو غير رسمية تهتم به، وباحتياجاته وبشكواه، حيث يبدو انه حتى الآن غير مقتنع أو على الأقل لا يثق بجدوى وجود هذه الجهات.
ومع انتظار التطبيق العملي لقرارات الحكومة، ولكن في ظل هذه الفوضى والتخبط والتلاعب والخوف والفشل في ضبط كبح ارتفاع الأسعار خلال الأسابيع الماضية، ومع تأثيراته المؤلمة، تبرز الحاجة الماسة والفورية لتطبيق قوانين واضحة وعلانية ويراها الناس، مثل إغلاق محل أو ملحمة أو محل لبيع الدجاج، أو حتى الإعلان عن أسماء من يتلاعب بالأسعار، أو من يبادر برفعها، وبالأخص إذا كانوا من التجار الكبار أو تجار الجملة، أو حتى وضع إعلان على متجر أو ملحمة أو محل، بأن هذا المحل لا يلتزم أو لا يحترم الأسعار، ولكن في ظل الفوضى الحالية، لا يتوقع المواطن ذلك، وبالأخص في ظل الغياب التام لدور الحكومة وجهاتها الرسمية ذات العلاقة، وتكرار هذه الدوامة عاما بعد عام، أو فترة بعد فترة وبالتالي استمرار معاناة الناس.