الحادي عشر من كل حزيران.. الألم والأمل

حجم الخط

بقلم د. محمد المصري

 

 

 الحادي عشر من كل حزيران ليس يوماً عادياً بالنسبة لي منذ عام 2007 وحتى يومنا هذا، ليس يوماً عادياً ولن يكون إلا بتغير الظروف والأحوال، ذلك أن في مثل هذا اليوم قُتل شقيقي وآخران هما أبناء أشقائي أيضاً، قتلوا برصاص الغدر والكراهية، قتلوا باسم الخلاف السياسي والشقاق العقائدي، قتلوا باسم الغباء والانغلاق والجهل والتعصب، قتلوا باسم الأفكار والايدلوجيا، وربما هناك من يدعي انهم قتلوا باسم الوطن..

ولم لا، فانعدام الحوار يؤدي الى الكفر أيضاً، والدم على الدم ثقيل كما يقول الفلسطينيون وهكذا، فإن عائلتي وأنا شخصياً دفعنا ثمناً غالياً وعزيزاً بسبب ما يسمى الانقسام أو سمه ما شئت. بالنسبة لي، فإن هذا القتل البشع وغير المبرر انما كان بداية التدهور والتفكك والانحلال للفكرة الوطنية الجامعة، وكان بالنسبة لي وضع شاهد قبر على مسيرة طويلة من العرق والجهد والدمع من اجل استكمال التحرير والتنمية. فعندما نصل الى قتل بعضنا البعض فإن هناك أشياء حميمة تم كسرها وأشياء مقدسة تم انتهاكها وأشياء غالية تم تجاوزها.

بالنسبة لي، لم أستطع تجاوز تلك المشاهد، ثلاثة من عائلتي مقتولين أمامي، مضرجين بدمائهم. وكل ذنبهم أنهم لا يعرفون لماذا قتلوا بهذه الطريقة البشعة، ولماذا تم اغتيالهم وهم مواطنون صالحون يحبون أولادهم وعائلاتهم ووطنهم وانهم على استعداد لتقديم دمهم رخيصاً من أجل الأرض والمبدأ، لا استطيع ان اتجاوز ان هؤلاء الشهداء قتلوا دون ذنب ودون مساءلة ودون محاكمة ودون حتى توجيه اتهام، كل ما فعلوه انهم كانوا مواطنين صالحين،

شاءت ارادة الله ان يكونوا في طريق أناس لا يحترمون أحد ولا يقدرون فعلتهم، ويحملون الرصاصات المنفعلة بالتعصب والكراهية، لم استطع شخصياً أن اتجاوز تلك الحادثة الأليمة التي أوجعت قلبي وما تزال. حادثة حفرت قلبي بالسكين والملح والكبريت، حادثة أراها كلما رأيت أبناء شقيقي أو سمعت أصواتهم أو قرأت ما يكتبون من كلمات شوق للأحبة.

ورغم ذلك، رغم هذا الألم الجارف والحارق الذي يكتسح جسدي وقلبي كلما تذكرت، فإنني أتمنى، بل وأطلب، أن تكون دماء أقربائي وأبناء عائلتي قرباناً للوحدة الوطنية، وبذلك أكون قد استرددت حقي وشفى قلبي بما به من وجع وندوب.

من حقي انا الذي اكتويت بنار الانقسام ان اطلب من النخبة الفلسطينية أيا كانت ان تعرف ان هذا الانقسام انما هو تهديد حقيقي للهوية الفلسطينية التي تبلورت بانهار من العرق والدم طيلة القرن الماضي وماتزال. الانقسام يهدد الدولة الفلسطينية ويهدد وحدة الناس ووحدة الهدف ووحدة المرجعية ووحدة القرار ووحدة السلاح ووحدة المستقبل، الانقسام يجعل الإقليم والعالم ينفض عنا بحجة عدم القدرة على التمثيل وعلى الأداء وعلى الإدارة وعلى عدم النضج السياسي.

الانقسام يعني اننا ما زلنا قبل تكون الدولة، واننا ما زلنا في مرحلة العشائر السياسية والقبلية غير القادرة وربما غير القابلة على إتمام مشروع الدولة بمفهومها الحديث والعصري.

آمل، بل أطلب من النخبة الفلسطينية، أيا كانت ان تتقدم خطوات باتجاه الخصم السياسي الآخر، لان اللقاء، تحت مظلة الوطن لا خسارة فيه، بل كل الربح، وان التنازل من اجل أبناء الوطن هو النصر بعينه. ومن حقي هنا ان أقول بصراحة شديدة ان على حركة حماس بالذات ان تنزل عن غلوائها وعن محاورها المتبدلة والمتغيرة، وان لا بيت هناك سوى بيت الآباء والأجداد، وان لا اهداف سوى اهداف الوطن والشعب الفلسطيني.

لا داعي للتغطي بأحلاف غير ثابتة، وقد رأينا مؤخرا كيف ان هناك من قلب ظهر المحبة عندما تضاربت مصالحه مع تبني القضية الفلسطينية. من حقي انا بالذات ان اطلب وبقوة وبعالي الصوت ان تعود حركة حماس بالذات الى العمل والاستثمار في حديقة البيت وليس في حدائق أخرى بعيدة، وان التقدم باتجاه الوطن يعزز موقفها ووجودها، وان الاستمرار في هذه السياسة ستؤدي الى الانفصال، الذي لا يحمله أي وطني فلسطيني. الرحمة للشهداء...