فشلت الحكومة الإسرائيلية برئاسة نفتالي بينيت في تمرير قانون بموجبه يتم تطبيق القانون الجنائي، وقوانين أخرى، على المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة باستثناء القدس، وكان هذا الفشل بمثابة هزة قوية وبالغة الخطورة بالنسبة لمستقبل الائتلاف الحكومي، فالحكومة لم تنجح في إقناع أعضاء الكنيست من الائتلاف الحاكم بالتصويت لصالح القانون الذي يجري تمديده كل خمس سنوات منذ العام 1967، حيث صوت ضده كل من مازن غنايم من «القائمة العربية الموحدة» وغيداء ريناوي زعبي من حركة «ميرتس»، وتغيّب باقي أعضاء «القائمة الموحدة» عن التصويت. وعدم تمرير القانون يخلق مشاكل جمة فيما يتعلق بالوضع القانوني للمستوطنين الذين لا يسري عليهم الحكم العسكري كما هو حال الفلسطينيين.
ومعنى هذا الفشل أن الحكومة باتت أقلية لا تملك أن تسن أي قانون أو تمرر أي قرار داخل البرلمان، ومسألة موعد سقوطها لا تتعدى أسابيع أو أشهراً معدودة أقصاها نهاية هذا العام. وما زاد الطين بلة هو انسحاب عضو آخر من حزب بينيت «يمينا»، فقد أعلن نير أورباخ التوقف عن التصويت لصالح الائتلاف الحكومي لحين إقرار قانون المستوطنين. وهذا يعني أن الحكومة تعتمد الآن على 59 صوتاً من أصل 120. ومع أن أورباخ صرح بأنه لن يؤيد حل الكنيست وإسقاط الحكومة، إلا أن هذا التطور الدراماتيكي يقصّر بشكل ملموس عمر الحكومة، ويجعلها أكثر من أي وقت مضى أضعف وآيلة للانهيار.
لكن لو سقطت الحكومة، وخسرت القدرة على الاستمرار، فهذا لا يعني أن هناك بديلاً جاهزاً لتولي الأمور. هناك احتمالان للتطورات السياسية في حال انهيار الائتلاف الحكومي، الأول: هو الذهاب لانتخابات مبكرة جديدة، والثاني: هو تشكيل حكومة بديلة من الكنيست القائم حالياً بانضمام بعض أعضاء الكنيست أو الكتل البرلمانية للمعارضة برئاسة بنيامين نتنياهو، لتصبح لديه أغلبية 61 عضو كنيست أو أكثر. غير أن الاحتمال الثاني ضعيف في هذه المرحلة، على الأقل حسب تصريحات أعضاء الائتلاف الحكومي.
وفي حال تنظيم انتخابات برلمانية جديدة، فالنتائج حتى الآن غير محسومة لصالح طرف محدد، حسب استطلاعات الرأي المختلفة التي تم إجراؤها في الفترة الأخيرة. صحيح أن نتنياهو يحقق إنجازات، وحزبه «الليكود» لا يزال في الطليعة، لكنه مع ائتلاف الصهيونية - الدينية، والأحزاب الأصولية، لم يصل بعد إلى نصف عدد أعضاء الكنيست، حتى لو كان قد اقترب من ذلك. وكل الأمور مفتوحة رغم أن بينيت سيكون الخاسر الأكبر، وقد تفضي الانتخابات إلى اختفاء عدد من القوائم مثل «ميرتس» و»القائمة العربية الموحدة» وربما «أمل جديد» برئاسة جدعون ساعر، أو حتى حزب بينيت نفسه. وربما تظهر كتل جديدة أو ائتلافات أخرى من كتل قائمة. على كل الأحوال من المبكر الحديث عن نتائج انتخابات لم تتقرر بعد.
المهم أنه في ظل الأزمة السياسية والحزبية الراهنة في إسرائيل يبدو الجمهور مبلبلاً أكثر من أي وقت مضى. وفي استطلاع أجرت قناة «كان 11» الرسمية، الجمعة الماضي (10/6/2022)، تم سؤال مصوتي حزب «يمينا» الذي يتزعمه رئيس الحكومة عن الخيار المفضل لديهم، فكانت الإجابة كما يلي: 39% مع استمرار الحكومة في ولايتها الحالية. و28% مع حل الكنيست والذهاب لانتخابات جديدة. و22% مع تشكيل حكومة بديلة برئاسة نتنياهو. وهذه الإجابات في غاية الغرابة، وتعكس بلبلة وتيهاً سياسياً واضحاً لدى عينة من الجمهور من المفروض أن يكون صاحب موقف ولديه مصلحة محددة في بقاء الحكومة، فما بالنا مع غالبية الإسرائيليين الذين يعانون أصلاً من عدم وضوح رؤية في أمورهم السياسية الداخلية التي باتت أكبر الهموم على الإطلاق.
هذا الوضع الحزبي والسياسي الشائك في إسرائيل وصفة جيدة للتصعيد الخطير في المنطقة، فالذي يفاخر فيه بينيت هذه الأيام هو الإنجازات على المستوى الأمني، خاصة الهدوء على الجبهة الجنوبية مع غزة، وتنظيم مسيرة الأعلام بشكل طبيعي دون تغيير مسارها، والتصعيد تجاه إيران في أكثر من جبهة، وأخيراً الوضع الاقتصادي الجيد والذي حققت فيه الحكومة إنجازات رغم الظروف الدولية المعقدة بعد أزمة «كورونا» والحرب في أوكرانيا. وفي هذا السياق ينبغي أخذ التهديدات الإسرائيلية، سواء تهديدات رئيس الأركان أفيف كوخافي للبنان، أو تهديدات قادة آخرين لإيران، أو حتى تهديداتهم لغزة، على محمل الجد، لأن أطراف الحكومة، خاصة من اليمين، تريد الذهاب للانتخابات القادمة مع تسجيل أكبر إنجازات على المستوى الأمني لضمان الفوز، أو على الأقل لتلافي الخسارة.