العقاب الذي فرضه قضاة العليا على ايهود اولمرت، أول من أمس، جسيم جدا. السجن 18 شهراً ليس سوى جزء منه. يضاف اليه أنه قضي على أمل أولمرت في العودة الى الساحة العامة. انتهت حياة اولمرت السياسية التي امتدت نحو خمسين سنة. وفضلا عن ذلك فقد اغلق الباب. لا توجد أي استئنافات أخرى، لا طلبات، لا اجراءات.
لانسان متفائل مثل اولمرت، كان واثقا دوما بقوته على أن ينقذ نفسه من كل مشكلة، هذه ضربة قاسية. ولا يزال بانتظاره الحسم النهائي في قضية تلنسكي، وتهديد النيابة العامة برفع لوائح اتهام ضده في مواضيع اخرى: انتهى ولم يستكمل. القرار الذي كتبه قضاة العليا الخمسة هو وثيقة مشوقة. أولا، هو مثير للانطباع بوضوحه وبشفافيته. فهو يبحث في قضية هولي لاند بحثا موضوعيا، محددا وباردا، كما يلزم في مثل هذا الملف.
بعد أن قرأته عدتُ وقرأتُ القرار الذي كتبه دافيد روزين، قاضي المحكمة المركزي في تل أبيب. فقد كتب روزين وثيقة ضحلة ومنفلتة العقال. من ناحية ادلة الأحكام هذه وثيقة محرجة. وتبرع لي الوزير السابق روني بار أون، أول من أمس، بتفسير من جانبه لقرار قضاة العليا تبرئة اولمرت من ادانته في قضية المال الذي بعث به الوسيط داكنر الى أخي اولمرت، يوسي.
فقد قال ان «القضاة لم يبرئوا اولمرت، بل أنقذوا الجهاز القضائي. فلو كانوا تبنوا قرار روزين لما كان بعد اليوم معنى للاحكام». وبالفعل، من الواضح في القرار جهد قضاة العليا لاعادة القضية الى حجومها الصحيحة. ليس الرحمة بالمتهمين (باستثناء واحد) هي التي دفعتهم لينتقلوا من الادانة الى التبرئة الجزئية، بل فهم المقروء. «يوجد قضاة في القدس»، قال ذات مرة مناحم بيغن.
يتبين أن ليس دوما يوجد قضاة في تل أبيب. التغيير الاكثر دراماتيكية كان في عقاب اوري لوبوليانسكي، رئيس بلدية القدس سابقا.
فقد فرض عليه القاضي روزين ست سنوات سجن؛ أما العليا فحكمت عليه بستة أشهر خدمة فقط. قضاة العليا راعوا دليلين مخففين: حقيقة أن لوبوليانسكي لم يأخذ قرشا لجيبه؛ فالمال انتقل مباشرة الى جمعية «يد سارة» التي أقامها؛ ومرض السرطان الشديد الذي يعانيه. لوبوليانسكي رجل لطيف، ايجابي، ومن السهل التضامن معه. وقد تعامل معه القاضي روزين بوحشية زائدة. ومع ذلك، كان لوبوليانسكي الشخصية العامة الكبرى الذي دفع لمنح امتيازات لمشروع هولي لاند. كان رئيس المرتشين. وقد عادت العليا وأدانته بالرشوة. على هذه الخلفية، فان الاحتفال العام الذي نظمه لنفسه، أول من أمس، أثار عدم الارتياح.
فقد نال حريته، ولكن وصمة العار بقيت. وبالمناسبة، فانه مخطئ في العنوان: ليس الباري تبارك اسمه هو الذي اعطاه حريته بل قضاة من لحم ودم. ولهم ينبغي توجيه الشكر. عند قراءة القرار، بما في ذلك التفسيرات المختلفة التي قدمها القضاة للمادة التي أمامهم، يخيل أن القضاة اجتازوا سياقا. من جهة، اقتنعوا بان اقامة مشروع هولي لاند كان فاسدا من أساسه؛ من المحظور منع المشاركين في مثل هذه القضية أن يخرجوا بلا عقاب. من جهة اخرى، كانت لهم شكوك ثقيلة بشأن بعض الادلة.
وكان التحدي هو التسوية بين اليقين وبين الشك. ملف اولمرت مثال جيد. فقد برأ القضاة ساحته في تهمة الرشوة في قضية الاموال التي بعثها الوسيط ذو السوابق داكنر الى يوسي، شقيق اولمرت الفار. فالادعاء العام لم يثبت بان ايهود عرف بالمال الذي تلقاه يوسي. وكان لاربعة من القضاة شك في ذلك، ما دعاهم الى تبرئته. التهمة الثانية تعلقت بـ 60 الف شيقل ادعت شولا زاكن، في احدى رواياتها، بانها نقلتها لتغطية ديون اولمرت الانتخابية. هنا ايضا كان الشك كبيرا: زاكن اودعت المال في حساب البنك لشقيقتها، اخرجته نقدا، خرجت الى اجازة عائلية وبعد ذلك، حسب ادعائها، اعطته الى اولمرت. ومع ذلك، قررت العليا الادانة. اولمرت كان بالاجمال لاعب احتياط في قضية هولي لاند. فهو لم يكن من دفع القرارات الى الامام، وهذه لم تكن في ولايته.
ولكن اولمرت هو اولمرت. في خلفية المحكمة كانت ملفات تلنسكي، التي بحثت امام هيئات قضائية اخرى، وتسجيلات شولا زاكن. ما كان يمكن لاحد أن يبقى غير مبال في ظل المواد المحرجة، القاسية، ولا سيما عندما يدور الحديث عن رئيس وزراء. في قرار العليا يكرر القضاة ذكر مكانة اولمرت العليا. فمنه يطلبون اكثر.
وعندما يدور الحديث عنه يطالبون انفسهم أيضا أكثر. عندما قرروا تخفيف عقابه كانوا يعرفون بانهم يقفون امام سلسلة من الاشخاص، بعضهم ذوو مكانة جماهيرية، العطش لدماء اولمرت يفقدهم صوابهم. وقد أجاد القاضي عميت في الرد على هذا الادعاء: «يحتمل أن يكون الجمهور أو بعض منه متفاجئا أو خائب الامل من تبرئة اولمرت من التهمة الاساسية»، كتب. «ولكن ثقة الجمهور في المحكمة تنبع بالذات من المعرفة بانها تقرر كما يفترض القانون والادلة وليس خوفا من رد فعل الجمهور... المحكمة لا تقرر حسب الصور، ولا حسب الشائعات ولا حسب «لكن الكل يعرف بان...»، لا خوفا من أن يخيب أمل الجمهور ولا حسب المقابلات في وسائل الاعلام. نحن نفعل أفضل ما في وسعنا لنعزل أنفسنا عن الضجيج الخارجي. هكذا فعلنا وهكذا سنفعل في المستقبل». وسائل الاعلام تهاجم، تزايد، واحيانا تتحمس، أما القضاة فهم قضاة: هكذا يجب أن يكون. بالفعل، يوجد قضاة في القدس.
عن «يديعوت»