"حرب الظل" الإسرائيليّة – الإيرانيّة قد تذهب بعيداً جداً

حجم الخط

بقلم علي حمادة

كلما اقترب الإيرانيون من الموعد النظري للاستحواذ على قنبلة نووية، تكثفت "حرب الظل" التي يشنها الإسرائيليون بلا هوداة منذ أسابيع. إنها كما يسميها الإسرائيليون "الحرب بين الحروب". وهي قاسية ولا تعرف حدوداً جغرافية، والعمليات شديدة الجرأة خلف الحدود.

 

منذ أعوام وإسرائيل تواجه التمدد الإيراني الذي يقترب من حدودها على كل الجبهات. التمدد على الأراضي السورية يواجه بسلسلة غارات لا تتوقف، كانت آخرها الغارة المدمّرة على مطار دمشق الدولي، ما أدى الى تعطيل حركة الملاحة فيه تماماً. وحتى الآن لا يبدو أن السلطات السورية تقدمت في إصلاح الأعطال وإزالة ركام الدمار الذي حل وأدى إلى إيقاف المطار وتحويل حركة الطيران إلى مطار حلب الدولي.

 

بالطبع، إن قصف مطار دمشق، إلى كونه رسالة قوية موجهة إلى الإيرانيين الذين يستخدمون المطار المفترض أن يكون مدنياً من أجل تهريب أسلحة ومكوّنات لأسلحة مطوّرة، تارة في قسم الشحن، وطوراً في حقائب مسافرين يعملون لمصلحة "فيلق القدس"، هو رسالة أقوى إلى الرئيس بشار الأسد تحذره من التمادي في ترك الإيرانيين يوسعون أعمالهم الأمنية والعسكرية على الأراضي السورية، ويستخدمون المرافق العامة الاستراتيجية مثل المطارات الكبرى.

 

ثمة معلومات أشارت إلى أن الأسد تلقى تحذيراً من الإسرائيليين من أنه في المرة المقبلة سيقترب الاستهداف أكثر، وقد يكون أحد مقار الأسد نفسه، أو أحد مساكنه. الأسد يعرف أنه لم يُستهدف، لا لاستحالة كشف مكانه، أو مقاره الخاصة، بل لأن ثمة تفاهمات دولية، وإسرائيل من ضمنها، تقضي بالحفاظ على "الرجل المريض" في انتظار الحل الشامل في سوريا. من هنا، فإن التدخل الروسي الذي كان دموياً ومدمراً إلى أبعد الحدود، ولم يلق معارضة جدية، شكل في مكان ما مخرجاً للقوى الغربية لكي تنسحب من الوحول السورية وتترك للرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمر منع سقوط النظام وقوى المعارضة الإسلاموية الهوى من تحقيق انتصار حاسم.

 

كان هذا سنة 2015. اليوم لم يتغير المعطى. الأسد باق كأهون الشرور. لكن الأخير مطالب بعدم اللعب بالنار في مرحلة المواجهة الدقيقة جداً مع إيران ذات الطموحات النووية العسكرية الواضحة. إنه مدعو أيضاً إلى التفكير جيداً بأنه لم يبق لأنه سيكون جزءاً من الحل النهائي في سوريا، إنما بقي لأن القوى الدولية مختلفة في ما بينها على كيفية رسم صورة سوريا المستقبل. في الانتظار تبقى سوريا مسرحاً لـ"حرب الظل" الإيرانية – الإسرائيلية . وتواصل طهران بواسطة ميليشياتها تثبيت مواقعها وتهريب الأسلحة إلى "حزب الله" في لبنان، فيما يواصل الإسرائيليون استهداف القوافل العسكرية المحملة بالأسلحة عبر الحدود العراقية – السورية، مرة على الطريق الصحراوية، ومرة أخرى على مقربة من الحدود مع لبنان، إضافة إلى مواقع عسكرية على مساحة الأرض السورية. 

 

لكن الوجه الأكثر خطورة في "حرب الظل" الإسرائيلية – الإيرانية هو تكثيف العمليات السرية الإسرائيلية داخل إيران. ففي الآونة الأخيرة شهدت إيران العديد من العمليات الغامضة التي قُتل فيها أعضاء بارزون في "الحرس الثوري"، مثل صياد خدائي الذي اغتيل أمام منزله، وآخرين أحدهما مهندس شاب في وزارة الدفاع قتل بواسطة طائرة مسيرة مفخخة، والثاني سقط من على شرفة منزله وقُتل. هناك أيضاً الحدثان الأخيران، إذ قُتل بالسم مهندس طيران يعمل في مركز أبحاث عسكري يدعى أيوب انتظاري، ومثله  عالم جيولوجيا قيل إنه يعمل في منشأة "نطنز" يدعى كمران أغلامي.

 

إلى هذه الحوادث يمكن إضافة العديد من العمليات السرية التي ينفذها "الموساد" الإسرائيلي على الأراضي الإيرانية، ولعل أبرزها قبل عامين ونصف عام اغتيال أهم شخصية علمية على صلة بالبرنامج النووي العسكري السري الإيراني، محسن فخري زاده الذي كان الغرب يلقبه بـ"أبي القنبلة الذرية الإيرانية"! 

 

في هذه الحالة من الحرب غير المعلنة بين قوتين إقليميتين كبريين هما إسرائيل وإيران، لا شك في أن المواطنين الإسرائيليين صاروا في مرمى الأهداف الإيرانية. آخر التحذيرات الأمنية الإسرائيلية أشارت إلى الخطر الكبير على الإسرائيليين، حتى العاديون منهم، من احتمال قيام الإيرانيين بعمليات انتقامية على الأراضي التركية. لكن المهم هنا هو التعاون الاستخباري الوثيق الذي حصل بين تركيا وإسرائيل من أجل التضييق على فرق الاغتيال الإيرانية العاملة على الأراضي التركية. هذا التعاون، وإن يكن في مصلحة حماية المصالح التركية التجارية والسياحية، إلا أنه يعكس تحولات كبيرة شهدتها العلاقات مع تل أبيب أخيراً.

 

و الحال ان من ينظر الى خريطة المنطقة، لا بد من يرى ان مناطق التوسع الإيراني التقليدية، ان لم تتقلص بعد، فإنها تتعرض لحصار مشترك تقوم به على مستويات مختلفة قوى المنطقة، العربية، الإسرائيلية والتركية، فيما الاميركيون ليسوا بعيدين عن المشهد. انها تحولات العام ٢٠٢٢ التي يشعر الإيرانيون بوطأتها وكلفتها في كل مكان. و المرحلة المقبلة تشي بأن التعاون و التنسيق سيتعمق بين مزيد من الدول العربية و إسرائيل، و من بعيد تركيا، وفي الخلفية الولايات المتحدة، ما سيزيد من ازمة التمدد الإيراني في الشرق العربي. من هنا قد يصير التمدد الذي يقع في صلب استراتيجية النظام الإيراني مشكلة بدلا من ان يكون الرئة التي منها يتنفس كما كان الحال في السابق .