هارتس : اغتيال أبو عاقلة: "تبييض" الجريمة وغياب العقاب

جدعون ليفي.jpeg
حجم الخط

 بقلم: جدعون ليفي


كان جمال خاشقجي وشيرين أبو عاقلة صحافيين مشهورين قتلا أثناء أدائهما لوظيفتهما. توجد فوارق عديدة ما بين القتل المخطط والمثير للاشمئزاز للصحافي السعودي وبين قتل الصحافية الفلسطينية، الذي لم تتضح ظروفه الكاملة بعد.
ولكن بعد أكثر من شهر على مقتل أبو عاقلة يمكن القول بصورة شبه مؤكدة إن من قتلوها كانوا يعرفون أنها صحافية، وقد قتلوها بسبب ذلك بالضبط مثلما قتلوا زميلها السعودي.
من هنا يجب ألا يمرّ مقتل الصحافية أبو عاقلة دون متهمين ودون مسؤولية.
لقد كان هنا جريمة أقل صدمة بكثير في ظروفها من مقتل خاشقجي، ولكنها كانت جريمة خطيرة، من الممنوع أن تظل يتيمة المسؤولية والاتهام.
ليس هنالك احتمال بأن من عرف كيف يوجه سلاحه إلى النقطة المكشوفة الوحيدة في عنق أبو عاقلة، ما بين الخوذة والدرع الواقي، لم يلاحظ العنوان الصحافي البارز الذي كان معلقاً على صدرها وعلى صدور زملائها.
لقد كان ينوي قتل الصحافية حتى وإن حاول المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي ادعاء العكس.
مثلما نفت أيضاً السعودية طوال وقت طويل أنها قتلت خاشقجي، وادعت أنه قتل في «مشاجرة».
الدلائل على أن جنود الجيش الإسرائيلي هم الذين قتلوا أبو عاقلة تتراكم حتى دون مسدس مدخن، في الوقت الذي لا يوجد أي دليل على أنها قتلت بنيران فلسطينية.
الـ «سي.ان.ان» و»واشنطن بوست» و»الجزيرة» أجرت تحقيقات شاملة قادت إلى استنتاج شبه قاطع تقريبا بأن جنود الجيش الإسرائيلي هم الذين أطلقوا النار عليها.
محاولة يائسة لإسرائيل لعرض فيلم وصف احتمالية مقتلها بنيران فلسطينية عشوائية تم رفضها في التحقيقات التي أجراها ضياء الحج يحيى في «هآرتس» وتحقيقات منظمة «بتسيلم»، والتي أثبتت انه لم يكن هنالك خط رؤية ما بين المكان الذي وقف فيه المسلحون الفلسطينيون وبين الصحافية.
أظهر تحقيق الـ «سي.ان.ان» ثلاثة آثار لطلقات على الشجرة التي بجنبها، حيث أطلقت النار على أبو عاقلة، إحداها قريبة جداً من الأخرى وهذا يبين أنه لم يكن إطلاق نار عشوائياً.
كشفت «الواشنطن بوست» أنه لم يكن هنالك إطلاق نار في الدقائق التي سبقت مقتلها، وأنها قتلت بنيران منفردة لشخص واحد.
ويخمن التحقيق أن الطلقة أطلقت من شق في سيارة القوة العسكرية التي وقفت على بعد 180 متراً منها.
هذه الطلقة، هكذا عرضت شبكة الجزيرة، يستخدمها الجيش الإسرائيلي.
السعودية وحاكمها، محمد بن سلمان، دفعت ثمناً دولياً باهظاً عن مقتل خاشقجي. إسرائيل، وبفضل غياب دليل قاطع ستتمتع بالشك، ولن تدفع شيئاً. لهذا فإن الجيش الإسرائيلي لن يترد بالمس بصحافيين فلسطينيين في المستقبل، بما في ذلك بنيران قناصة.
في الجيش الإسرائيلي هنالك من يعرفون الحقيقة. كان هنالك جنود وكان هنالك قادة رأوا وعرفوا، وهم يحتفظون بذلك لأنفسهم.
هذا ليس فقط خيانة لوظيفتهم، هذا تبييض لجريمة ودعوة لارتكاب جرائم مشابهة أيضاً في المستقبل.
تخيلوا وضعاً ينكشف فيه فيلم يظهر القناص الإسرائيلي وهو يطلق النار باتجاه أبو عاقلة. هل سيقدم أحد ما للمحاكمة؟ على ماذا؟ على قتل متعمد، على قتل غير متعمد؟ هل المنظومة سوف تندد به كشخص واحد. هل وسائل الإعلام ستعرضه كمجرم وكقاتل؟ هل سيرسل زملاؤه وقادته الذين عرفوا واخفوا إلى السجن بسبب إخفاء الأدلة؟ من المضحك طرح هذه الأسئلة أصلاً.
في جنازة أبو عاقلة احتدم رجال الشرطة بصورة بربرية وضربوا المشاركين بالهراوات وكادوا يسقطون التابوت.
هل تمت معاقبة أي شخص؟ وهل كشفت تحقيقات الشرطة عن «عيوب «.
هذه لن تنشر، ولن يقدم أي شرطي للمحاكمة، بل سيحظى الشخص الذي قتلها بتدليل أكثر: معظم الإسرائيليين سيرونه بطلاً.
لم يقطّع أحد جثة أبو عاقلة في مبنى قنصلية، ولم يدس أحد خرقة في فمها من أجل ألا تُسمع صرخاتها. ولكن في صباح 11 أيار أطلقت النار على الصحافية وقتلتها عن بعد بإطلاق نار متعمد تقريباً شبه مؤكد بأيدي جنود الجيش الإسرائيلي، وهؤلاء سيأخذون جريمتهم وسرهم معهم إلى القبر.
والعالم، وأيضا معظم الإسرائيليين، سيغفرون للجيش الإسرائيلي أيضاً هذا.

عن «هآرتس»