أثارت الكلمة «الخطيرة/والمَلغومة» التي ألقاها رئيس المكتب السياسي لحركة حماس/إسماعيل هنية, في المؤتمر الذي نظّمته جامعة الأمة في مدينة غزة, تحت عنوان”السيادة الفلسطينية, المُتغيّرات الإستراتيجية والمسارات المُستقبلية». أثارت كَمّاً من الأسئلة والمخاوف حول ما ذهب إليه هنية وما تروم حماس تحقيقه. خاصة إزاء مضامين وتوقيت وتبرير ما قاله, و”تأكيده» إستعداد حركته لتحقيق الوحدة وتجاوز حال الإنقسام الداخلي, وتلويحه «أنه وحركته مُستعدون للمُضي قُدماً في سبيل تحقيقه, حتى «لو تطلّب ذلك بناء جبهة وطنية فلسطينية».. «تحم? الثوابت وترعى المقاومة وتُشكّل مرجعية على طريق إعادة بناء منظمة التحرير».. «إذا ما..(والقول لـ”هنية”) تعثّرت الوحدة العامة».
ليس ثمَّة غموض في ما ذهب إليه الشيخ/هنية، ما يعيد إلى الأذهان الخطاب المُترافق مع ضجيج وفرض شروط/واشتراطات قبل عام من الآن, وتحديداً منذ انتهاء معركة «سيف القدس» التي منحت أَشرِعة حماس رياحاً جديدة، ذهب مسؤولوها بعيداً في استهداف سلطة رام الله حدود «نعيها» وشطبها من المعادلة. محمولاً ذلك كله على تخوين السلطة وتآمرها مع الاحتلال ضد المقاومة و”التفرّج» على العربدة الصهيونية في القدس, وتدنيس الحرم القدسي من قِبل جنود العدو وقطعان المستوطنين, السّاعين إلى هدم مسجد قبة الصخرة وإقامة الهيكل الثالث المزعوم. في ال?قت ذاته الذي اعتبرت فيه حماس/وحركة الجهاد الإسلامي أنّ نتائج معركة سيف القدس, شكّلت نقلة نوعية وتحولاً استراتيجياً في إدارة الصراع مع العدو الصهيوني، وهو ما كرّره هنية في كلمته أمام مؤتمر «جامعة الأمة» في القطاع المحاصَر والمُجوّع.
وإذ يصعب بل يستحيل صرف النظر عن «تراث الانقسام» الفلسطيني, الذي كرّسه الصراع الطويل/والمحموم بين حركتي فتح وحماس, ورغبة الأخيرة في الحصول على «حصتها» من منظمة التحرير، خاصة بعد تمكن حماس من إحكام قبضتها على قطاع غزة في مثل هذه الأيام من العام 2007، الأمر الذي رأت فيه حركة فتح القابضة هي الأخرى على منظمة التحرير الفلسطينية. ما يعني أنّ الصراع بين الحركتين مُمتد ومفتوح ومُحتدم، يتصاعد دائما ويخفت مرات، لكن سياسة المحاور الإقليمية/والعربية المتناحرة, التي تُواظِب الحركتان الإنخراط فيها, تجعل من المصعب حدود ال?ستحالة, احتمال حدوث مصالحة أو تجميد الانقسام والالتقاء على توافق الحد الأدنى. خاصة في ظل الظروف الإقليمية المتسارعة/والرامية شطب القضية الفلسطينية وفرض شروط الاستسلام على الشعب الفلسطيني, بعدما أصبحت إسرائيل عنصراً مُقرراً في أمور المنطقة.
ذلك كله لا تلحظه/أو تتجاهله الحركتان بل تمعنان الانخراط فيه بحماسة, ولم يَعد مصدر إحراج لواحدة منها، خاصة بعد أن تمّ إلحاق منظمة التحرير بالسلطة, رغم أنّ المنظمة (التي اعترفت بها إسرائيل مُقابل اعتراف المنظمة بدولة العدو غير المُعَرَّفة حدودها في صكّ اوسلو), هي مرجعية السلطة وليس العكس، لكن مخطط تهميش المنظمة/وتهشيمها مستمر ومتواصل, وهي ذات أبعاد خطيرة وتداعيات سلبية يحلو للحركتين صرف النظر عنهما, في غمرة صراعهما «الثنائي» المفتوح على كعكة السلطة/المنظمة المسمومة. رغم التآمر المعلن وغير الخفي على القضية ال?لسطينية, وتواصل عمليات الإعدام الميداني والاستيطان ومصادرة الأراضي والضمّ الزاحف للضفة الغربية, وخصوصاً تهويد القدس ومحاولات تقسيم المسجد الأقصى زمانياً ومكانياً.
الحملات الإعلامية الشرسة التي تتبادلها الحركتان, والمحمولتان على تخوين وعمالة وتبعية للمحاور الإقليمية، غير مفاجئة بعدما وصلت ذروتها إثر تأجيل/إلغاء السلطة للانتخابات التشريعية التي كانت مقررة في 21 أيار 2021، إذ اعتبرته حماس اغتصاباً للسلطة وانفراداً بالقرار وجريمة دستورية, فيما تذرّعت السلطة برفض إسرائيل شمول القدس في الانتخابات, وإن أكد كثيرون رأوا أنّ أسباب التأجيل تكمن في شعور حركة فتح/السلطة بأنّ قائمتها لن تصيب نجاحاً، بعد الانقسامات التي عصفت بفتح وبروز ثلاث قوائم فتحاوية: أولها قائمة البرغوثي/القد?ة، والثانية للمطرود من فتح/محمد دحلان، والثالثة قائمة «العاصفة» وهي قائمة السلطة/فتح..
وجدت «حماس» فرصة أخرى متجددة بعد معركة سيف القدس, سارعت باندفاع لاستثمارها, وراحت تصعّد خطابها وتسعى لفرض شروطها, لكن ما تضمّنته/واستبطنته كلمة هنية أول أمس أثارت المخاوف والهواجس, إزاء ما تنوي حماس اتّخاذه من خطوات لتجاوز «منظمة التحرير» تحت ذرائع وتبريرات غير مُقنعة, أقلها الزعم بأنّ «جبهة بديلة» للمنظمة ستقوم بحماية الثوابت ورعاية المقاومة وتشكّل مرجعية على طريق إعادة بناء منظمة التحرير. في وقت يدرك قادة حماس أنّ خطوة خطيرة/وانقسامية كهذه, ستُعمق الانقسام وتُضعف وحدة الشعب الفلسطيني, وتُسهم من بين أمور ?خرى في منح أشرعة الاحتلال الاصهيوني رياحاً جديدة, تُضاف إلى سلسلة «الإنجازات الاستراتيجية» والاختراقات, التي أحدثها على الصعيدين.. العربي والإقليمي.