هل تحارب أمريكا الصين لأجل تايوان؟

حجم الخط

بقلم: د. منار الشوربجي

 

 

الضجة التي أثارها تصريح الرئيس الأمريكي بخصوص تايوان، أثناء زيارته مؤخراً، ليست في محلها. فهي مبنية على مجموعة من الافتراضات لا يوجد دليل على صحتها.

فخلال توقفه في اليابان خلال جولته الآسيوية، سئل بايدن عما إذا كانت بلاده ستتدخل عسكرياً في حال تعرّضت الجزيرة لهجوم صيني، فرد بالإيجاب، مضيفاً إن «هذا هو ما التزمنا به». وسرعان ما أعلن البيت الأبيض أن سياسة الولايات المتحدة تجاه تايوان لم يطرأ عليها أي تغيير. لكن المراقبين فسروا تصريح بايدن باعتباره تراجعاً عن سياسة أمريكا التقليدية. وقد بنوا تفسيرهم على أساس أن الولايات المتحدة ألزمت نفسها منذ السبعينيات، بمبدأ «الصين الواحدة»، الذي نص عليه إعلان شنغهاي، كما التزمت هي والصين معاً، في الإعلان نفسه، بعدم قيام أي منهما بالهيمنة على إقليم آسيا والمحيط الهادي.

كما رأى المراقبون أن تصريح بايدن معناه أن الولايات المتحدة تخلت عما صار يعرف بسياسة «الغموض الاستراتيجي»، أي عدم الإفصاح عن رد الفعل الذي تتخذه حال تعرّضت تايوان لهجوم صيني. وربما بنى هؤلاء رأيهم أيضاً على أساس أن بايدن، منذ كان عضواً بمجلس الشيوخ، عرف بأنه كثيراً ما كان يفصح عن المسكوت عنه ثم يسرع مساعدوه بإعادة تفسير ما قاله، بالضبط كما فعل البيت الأبيض.

لكن هذا التحليل لا يأخذ في اعتباره اعتبارات عدة، أولها أن الولايات المتحدة لم تلتزم، يوماً، بمبدأ الصين الواحدة التزاماً مطلقاً. فليس سراً أن الولايات المتحدة لها علاقات وثيقة بتايوان، بما في ذلك العلاقات العسكرية، وهى تمد الجزيرة بشتى أنواع الأسلحة. وثاني تلك الاعتبارات أن أياً من الصين والولايات المتحدة لم تلتزما بمبدأ عدم الهيمنة في آسيا، كل على طريقتها. فأمريكا، منذ أن اعتبرت الصين «التهديد الأول لأمنها القومي» حولت انتباهها من الشرق الأوسط لما صارت تطلق عليه إقليم «المحيطين الهندي والهادي»، ساعية لتطويق الصين عبر وجود عسكري قوي في المنطقة.

وهي في هذا الصدد تعمل من خلال منظمة دول جنوب شرق آسيا، «الآسيان»، والرباعية المعروفة باسم «الكواد»، والمكونة من الهند وأمريكا واستراليا واليابان. ثم شكلت مؤخراً ما صار يعرف بـ«الأوكوس»، وهو التحالف الذي تمد بموجبه أمريكا وبريطانيا المظلة النووية لأستراليا. وتلك الاستراتيجية الأمريكية تواجهها الصين عبر مد نفوذها الاقتصادي بقوة في أنحاء المعمورة وخصوصاً في آسيا. فمبادرة الحزام والطريق مشروع عملاق تقوم من خلاله الصين، بالمساهمة المالية والتقنية لتشييد البنية التحتية في الدول التي يمر عبرها.

وقد صارت الصين لاعباً اقتصادياً عملاقاً في أفريقيا على وجه الخصوص، ولكنها مدت نفوذها حول العالم، بل وصلت إلى أمريكا اللاتينية، المجال الحيوي لأمريكا ذاتها. والولايات المتحدة صارت تخشى ذلك النفوذ الاقتصادي الصيني نفسه باعتباره مرشحاً لطرد استثمارات شركاتها الكبرى، الاقتصادية والعسكرية. كما تخشى التطور التكنولوجي الصيني وما يصاحبه من تطور عسكري هائل. وهو ما كان واضحاً من الاستراتيجية الأمريكية تجاه الصين والتي أعلنها وزير الخارجية بلينكن بعد تصريح بايدن بأيام.

أما الاعتبار الثالث، والأكثر أهمية، هو أن الولايات المتحدة تدرك جيداً أن المواجهة العسكرية مع الصين ليست في مصلحتها، حتى لو كانت بخصوص تايوان. فللصين مزية لا تملكها أمريكا في آسيا، وهي القرب الجغرافي الذي يجعل لها اليد الطولى حال خوض المواجهة العسكرية. ولماذا نذهب بعيداً، فالولايات المتحدة لم تغامر بالتدخل بقوات عسكرية في أوكرانيا ضد روسيا التي تظل أضعف بكثير من الصين عسكرياً واقتصادياً وتكنولوجياً، واكتفت بدلاً من ذلك بالمساعدات العسكرية لأوكرانيا، فضلاً عن استخدام سلاح العقوبات، وهو سلاح يصعب استخدامه ضد ثاني أكبر اقتصاد في العالم، أي الصين، دون دفع ثمن باهظ.

من هنا، فإن التحليل الأقرب للدقة، هو أن تصريح بايدن لا يمكن فهمه إلا في سياق ما يجري في أوكرانيا. فأمريكا تخشى أن تفعل الصين مثل روسيا وتضم تايوان. وهو ما قاله بايدن بنفسه بالتصريح ذاته، فتدخل الصين في تايوان، عنده، يقوض المنطقة كلها ويكون «مثلما حدث في أوكرانيا، بل يمثل عبئاً أكثر وطأة». بعبارة أخرى، فإن تصريح بايدن تجسيد للقلق الأمريكي، لا لتغيير سياستها تجاه الصين، وهي التي ستكون على الأرجح حرباً باردة ممتدة لا ساخنة.

عن "البيان الاماراتية"