هارتس : الانتخابات القادمة حلبة ملاكمة سياسية !

حجم الخط

بقلم: ألوف بن

 

 


فشل نفتالي بينيت نظراً لأنه لم يكن لديه ما يقوله. وكما تقول النكتة القديمة عن اليهودي في السيرك الذي تسلق الى رأس البرج فقط من أجل ان يسأل "كيف ينزلون من هنا" وصل بينيت الى مكتب رئيس الحكومة من خلال تخطيه بسهولة سياسيين ذوي خبرة وكاريزماتيين وشعبويين اكثر منه، ولكن من اللحظة التي جلس فيها على الكرسي لم يكن لديه أي رؤية أو فكرة عما يتوجب عليه العمل هناك. لهذا اكتفى بأداء اكثر تنظيماً وأقل صراخاً من سياسة سابقه بنيامين نتنياهو، من خلال "ادارته من الخلف" للوزراء وكبار الموظفين.
لسوء حظ بينيت فإن الزعامة لا يمكنها الاكتفاء بـ "أنا لست بيبي" ولا حتى بـ "أنا أحترم شركائي السياسيين". هذا جيد لشهادة المساعد: إظهار تعامل جيد مع زميله، المحافظ على النظام والنظافة في كراساته، والنجاح في الاختبارات.
من أجل قيادة دولة، حزب، شركة تجارية، أو فريق كرة قدم تحتاج الى قصة يريد الناس تصديقها والسير في أعقابها. عرف بينيت ذلك عندما حاول احتلال قيادة اليمين والدولة وتجاوز نتنياهو. في تلك الأيام دمج جيداً ما بين مقولات سهلة وقابلة للاستيعاب ("علينا التوقف عن الاعتذار")، وبين قرارات بدت جيدة لدى القاعدة اليمينية (منع كتاب "جدار حي" كوزير للتعليم)، واهتمام بالمواطنين مقارنة بنتنياهو المنغلق والمنفصل ("لا يوجد مصدر رزق، هذا لا يهم") وتسريبات محسوبة وشفافة جداً من دوائر اتخاذ القرارات، والتي استهدفت دفع نتنياهو الى موقف دفاعي. اختفى كل هذا الدهاء والحكمة عندما حقق بينيت حلمه وألقى بنتنياهو الى المعارضة.
استبدل نتنياهو قصته من ولاية الى اخرى: في البداية ناضل ضد اتفاقات اوسلو، بعد ذلك ضد القنبلة الايرانية، وفيما بعد مع حراك اجتماعي ("استبدال النخب") والآن ضد جهاز القضاء، وجهاز الدولة وقيادة المجتمع العربي. يتغير المجموع ولكن النهج بقي مثلما كان: ضجيج لا متناهٍ للرسالة على كل قناة وفي كل تغريدة. في المرة الوحيدة التي شكل فيها نتنياهو حكومة بدون حلم واهداف، بتحالف قصير مع يائير لابيد وتسيبي ليفني، تفككت بعد فترة قصيرة. لقد استخلص العبرة وعادت حليمة إلى عادتها القديمة. لم يحاول نتنياهو في يوم من الايام التودد لمعظم الجمهور، أو التوجه إلى أي مركز موهوم. هو فقط أراد ان يذهب ما يكفي من الناس في أعقابه من أجل أن ينجح.
نجح بينيت في كبح نتنياهو والوقوف على رأس ائتلاف مليء بالتناقضات والاختلافات، ولكن حماسه للانتصار تلاشى من اللحظة التي وصل فيها الى الهدف، وفضل إرضاء الجميع بدلاً من رفع علم – وليس مهماً ما هو العلم – وأن يصرخ "اتبعوني". حتى شعار المعركة "فقط ليس بيبي"، والذي أحضره معه الى السلطة، صمت. لم يتجرأ بينيت على ان يطرح للتصويت قوانين المتهم، او أن يدفع قدماً تشكيل لجنة تحقيق في قضية الغواصات، أو تشجيع ضغط عام من أجل صفقة تبعد نتنياهو عن الحياة السياسية. كما يبدو ظن أنه طالما ما زال نتنياهو في المحيط فإن مجرد وجوده سوف يجعل مكونات "ائتلاف التغيير" ملتصقين بكراسيهم. كان هذا كافياً لعام وفي غياب صمغ آخر انهار المبنى على ساكنيه.
الآن دخلت إسرائيل الى حملة انتخابات عاصفة وعاطفية، منافسة غير مسبوقة بين العارضين الإسرائيليين الأفضل، نتنياهو ويائير لابيد. كلاهما يعرف جيداً كيف يقص القصة وأثبت قدرة على النهوض من السقطات السياسية. هما سيعرضان ترشحهما كإنقاذ لإسرائيل من التدمير: لابيد سيصف خصمه كدمية لإيتمار بن غفير والذي سيفرض هنا ديكتاتورية عنصرية ودينية، نسخة إسرائيلية من مسلسل "قصة عبد". وسيعرض نتنياهو لابيد أسيراً في ايدي منصور عباس وأيمن عودة وأحمد الطيبي. هذه ستكون معركة ملاكمة دامية، مثلما يحب لابيد، وسيحاول نتنياهو هزيمته بالضربة القاضية، الامر الذي لم ينجح في فعله منذ فوزه على اسحق هرتسوغ في العام 2015.
النتائج ستحسمها، مثلما هو الأمر دائماً، الأصوات العائمة: نسب التصويت في المجتمع العربي وفي الضواحي اليهودية ومشاركة الذين تركوا "الليكود" في الانتخابات، والذين صوتوا في الجولة السابقة لبينيت وجدعون ساعر، وسيكونون منذ الآن هدفاً لمغازلات نتنياهو المصيرية.

عن "هآرتس"