ليست أخباراً مفرحة أبداً لإسرائيل وللولايات المتحدة الفوز الذي حققه المتمرد اليساري والثوري والمقاتل السابق غوستافو بيترو في انتزاع كرسي الرئاسة في كولومبيا .. بلا شك فوز تاريخي لأنها المرة الاولى التي يحكم فيها اليسار كولومبيا منذ قرنين من الزمان، سيطر فيهما اليمنيون المحافظون على مقاليد الحكم .
في إحدى خطبه الثورية وصف هوجو شافيز رئيس فنزويلا الراحل جارته المتاخمة له " كولومبيا" بأنها "اسرائيل القارة اللاتينية". شافيز لم يورد الوصف اعتباطا وشكلا انما قصد به سلوك وعلاقات الدولة الكولومبية في القارة اللاتينية . كولومبيا هي وكيل الولايات المتحدة في امريكا الجنوبية والحديقة الخلفية لها ومركز القواعد الامريكية ، وصديقة اسرائيل الحميمة ، ومرتع الاسلحة الاسرائيلية والمرتزقة ومهبط العمليات الاستخباراتية والامنية للتمدد في المحيط الهادي ودول القارة اللاتينية . المفارقة أن النخبة الكولومبية في ذلك الوقت اعتبرت الذمّ الفنزويلي مديحاً لها بل وتفاخرت به ..
التحالف الكولومبي الاسرائيلي وطيد ومعقد .. ويد اسرائيل في الداخل الكولومبي متغلغلة وطويلة جدا .. ولذا ليس سهلاً فهم قوة العلاقات بين البلدين . لكن للتبسيط يمكن القول أن كولومبيا يحكمها سلطتين: سلطة الدولة الرسمية، وأخرى شبه دولة موازية. هذه الاخيرة تشمل النخبة المسيطرة ومراكز القوى المكونة من تجار المخدرات ورجال الأعمال والعائلات اليمينية الثرية، وكلّ منها له ميليشيا عسكرية تحميه وتحمي مصالحه بعنف وقوة. ومع سيطرة اليمين على الحكم طوال عشرات السنين، اتحدت وتشابكت مصالح الدولة الرسمية ومصالح شبه الدولة الموازية في السيطرة الكلية على البلاد بيد من حديد . وتعد شبه الدولة الموازية في كولومبيا بوتقة القوة الاسرائيلية ومركز نفوذها ومربط العلاقات بين الدولتين، وذلك من خلال عقود عسكرية جمعت شركات الامن الاسرائيلية الخاصة التي يترأسها جنرالات اسرائيليون متقاعدون بالميليشيات الكولومبية، وما نتج عنها من توريد للسلاح وتدريب المرتزقة على القمع والقتل واحتلال كل مكان يرغبون به. وطبيعي أن تمتد العلاقات مع الدولة الرسمية الكولومبية لتصبح اسرائيل ثاني مصدر للأسلحة والتكنولوجيا المتطورة للجيش الكولومبي بعد الولايات المتحدة ، ومركز تدريب لملاحقة المعارضين وقتلهم بالطائرات دون طيار تماما كما تفعل مع المقاومين الفلسطينيين. وقد ظهر التعاون الاسرائيلي/ الكولومبي جليّا العام الماضي إبان نشر صور لقمع الحكومة الكولومبية لمظاهرات واحتجاجات الطبقة العاملة بأسلحة اسرائيلية.
طبعا اسرائيل تجني ثمن هذا العطاء، فبالاضافة للعائد المادي الضخم نتيجة بيع الاسلحة والتكنولوجيا، هناك ثمن سياسي واستراتيجي أكثر اهمية يتمثل في تحول كولومبيا لمركز استخباراتي اسرائيلي نتيجة موقعها المتاخم لفنزويلا صديقة الفلسطينيين وصديقة ايران وحزب الله ومركز استثماراتهما ! هناك أيضاً المكاسب السياسية جراء الدعم الكولومبي لاسرائيلي في المحافل الدولية وأروقة الأمم المتحدة.
لا عجب أن يشعر جنرالات اسرائيل بالقلق نتيجة اليساري الكولومبي القادم لرئاسة البلاد. فعلى وجه العموم اليسار في امريكا اللاتينية ضد الامبريالية الامريكية والاسرائيلية . وبيترو لا يحمل مشاعر صديقة لاسرائيل، بل بالعكس يشتهر بمعارضته وانتقاده الشديد للاعتداءات الاسرائيلية على الفلسطينيين والحروب على غزة ودعم النشاطات الدولية ضد السياسات الاسرائيلية ويشبّه معاملة اسرائيل للفلسطينيين بمعاملة النازيين لليهود ويقول ان اسرائيل ليست الدين اليهودي كما كولومبيا ليست الدين الكاثوليكي ...
لكن هل يستطيع بيترو ان يغير في قوة التغلغل الاسرائيلي في كولومبيا ام ان قوة المصالح ستتعدى ايديولجية بيترو وستغيّره؟