لماذا تشعر اسرائيل بالقلق بعد الفوز التاريخي لليسار في كولومبيا؟

fd6b2fc11147ca6ec17d64e1808271b0.jpg
حجم الخط

بقلم: د. أماني القرم ‏

 

 

ليست أخباراً مفرحة أبداً لإسرائيل وللولايات المتحدة الفوز الذي حققه المتمرد اليساري والثوري والمقاتل ‏السابق غوستافو بيترو في انتزاع كرسي الرئاسة في كولومبيا .. بلا شك فوز تاريخي لأنها المرة الاولى ‏التي يحكم فيها اليسار كولومبيا منذ قرنين من الزمان، سيطر فيهما اليمنيون المحافظون على مقاليد الحكم . ‏
في إحدى خطبه الثورية وصف هوجو شافيز رئيس فنزويلا الراحل جارته المتاخمة له " كولومبيا" بأنها ‏‏"اسرائيل القارة اللاتينية". شافيز لم يورد الوصف اعتباطا وشكلا انما قصد به سلوك وعلاقات الدولة ‏الكولومبية في القارة اللاتينية . كولومبيا هي وكيل الولايات المتحدة في امريكا الجنوبية والحديقة الخلفية ‏لها ومركز القواعد الامريكية ، وصديقة اسرائيل الحميمة ، ومرتع الاسلحة الاسرائيلية والمرتزقة ومهبط ‏العمليات الاستخباراتية والامنية للتمدد في المحيط الهادي ودول القارة اللاتينية . المفارقة أن النخبة ‏الكولومبية في ذلك الوقت اعتبرت الذمّ الفنزويلي مديحاً لها بل وتفاخرت به ..‏
التحالف الكولومبي الاسرائيلي وطيد ومعقد .. ويد اسرائيل في الداخل الكولومبي متغلغلة وطويلة جدا .. ‏ولذا ليس سهلاً فهم قوة العلاقات بين البلدين . لكن للتبسيط يمكن القول أن كولومبيا يحكمها سلطتين: ‏سلطة الدولة الرسمية، وأخرى شبه دولة موازية. هذه الاخيرة تشمل النخبة المسيطرة ومراكز القوى المكونة ‏من تجار المخدرات ورجال الأعمال والعائلات اليمينية الثرية، وكلّ منها له ميليشيا عسكرية تحميه وتحمي ‏مصالحه بعنف وقوة. ومع سيطرة اليمين على الحكم طوال عشرات السنين، اتحدت وتشابكت مصالح الدولة ‏الرسمية ومصالح شبه الدولة الموازية في السيطرة الكلية على البلاد بيد من حديد . وتعد شبه الدولة الموازية ‏في كولومبيا بوتقة القوة الاسرائيلية ومركز نفوذها ومربط العلاقات بين الدولتين، وذلك من خلال عقود ‏عسكرية جمعت شركات الامن الاسرائيلية الخاصة التي يترأسها جنرالات اسرائيليون متقاعدون بالميليشيات ‏الكولومبية، وما نتج عنها من توريد للسلاح وتدريب المرتزقة على القمع والقتل واحتلال كل مكان يرغبون ‏به. وطبيعي أن تمتد العلاقات مع الدولة الرسمية الكولومبية لتصبح اسرائيل ثاني مصدر للأسلحة ‏والتكنولوجيا المتطورة للجيش الكولومبي بعد الولايات المتحدة ، ومركز تدريب لملاحقة المعارضين وقتلهم ‏بالطائرات دون طيار تماما كما تفعل مع المقاومين الفلسطينيين. وقد ظهر التعاون الاسرائيلي/ الكولومبي ‏جليّا العام الماضي إبان نشر صور لقمع الحكومة الكولومبية لمظاهرات واحتجاجات الطبقة العاملة بأسلحة ‏اسرائيلية. ‏
طبعا اسرائيل تجني ثمن هذا العطاء، فبالاضافة للعائد المادي الضخم نتيجة بيع الاسلحة والتكنولوجيا، ‏هناك ثمن سياسي واستراتيجي أكثر اهمية يتمثل في تحول كولومبيا لمركز استخباراتي اسرائيلي نتيجة ‏موقعها المتاخم لفنزويلا صديقة الفلسطينيين وصديقة ايران وحزب الله ومركز استثماراتهما ! هناك أيضاً ‏المكاسب السياسية جراء الدعم الكولومبي لاسرائيلي في المحافل الدولية وأروقة الأمم المتحدة. ‏
لا عجب أن يشعر جنرالات اسرائيل بالقلق نتيجة اليساري الكولومبي القادم لرئاسة البلاد. فعلى وجه العموم ‏اليسار في امريكا اللاتينية ضد الامبريالية الامريكية والاسرائيلية . وبيترو لا يحمل مشاعر صديقة ‏لاسرائيل، بل بالعكس يشتهر بمعارضته وانتقاده الشديد للاعتداءات الاسرائيلية على الفلسطينيين والحروب ‏على غزة ودعم النشاطات الدولية ضد السياسات الاسرائيلية ويشبّه معاملة اسرائيل للفلسطينيين بمعاملة ‏النازيين لليهود ويقول ان اسرائيل ليست الدين اليهودي كما كولومبيا ليست الدين الكاثوليكي ... ‏
لكن هل يستطيع بيترو ان يغير في قوة التغلغل الاسرائيلي في كولومبيا ام ان قوة المصالح ستتعدى ‏ايديولجية بيترو وستغيّره؟