معاريف : ابـكـوا عـلـى حـال إسـرائـيـل الـمـريـر ..

حجم الخط

بقلم: بن كسبيت

 

 


لا تبكوا على نفتالي بينيت. فقد أصبح رئيس الوزراء الـ 13 لدولة إسرائيل، وصنع تاريخاً معاكساً لكل الاحتمالات. لولا الظروف منفلتة العقال التي أدت الى إقامة الحكومة الحالية لما كان بينيت سيرى مكتب رئيس الوزراء إلا في التلفاز. فقد قفز الى حمام ساخن، ونجح في تهدئة العاصفة، وتبريد الخواطر قليلاً. الفوضى التي وجدها في إسرائيل نقلها الى إيران. أثبت قدرات إدارية طيبة لكنه أبدى الى جانبها قدرات حزبية بائسة. لو استثمر قواه النفسية في الحزب وفي الائتلاف، وليس في إيران وفي غزة، لبقي رئيس الوزراء حتى نهاية ولايته. هذه القصة كلها. بينيت مدير جيد وسياسي سيئ. سلفه كان مديراً سيئاً وسياسياً خبيراً. وهكذا فعل بينيت في سنة مضنية واحدة اموراً لم يفعلها سلفه في دزينة سنين لا تنتهي. لكن بينيت، الآن، رحل إلى بيته. سلفه يحاول العودة.
ابكوا علينا. على مصير هذه الدولة المرير، التي كادت تصل شاطئ الأمان لكن فقط كي تكتشف عاصفة كاملة، أقسى من سابقاتها، تهدد بإغراقها من جديد. يكثر بينيت من استخدام تعبير "استلقيت على القنبلة اليدوية". وكان استعاره من غابي أشكنازي الذي كان أول من شخّص الوضعية.
كلاهما محق." أزرق أبيض" الأصلي، الذي انشق كي يجلس مع نتنياهو في حكومة التناوب الأولى كان أول من "استلقى على القنبلة". غانتس وأشكنازي خرقا ثقة مصوتيهما، لكنهما فعلا هذا لدوافع وطنية صرفة. نجحا في صد حملة جنون نتنياهو ومساعده (أتذكرون التعيين التعيس لأوفير أكونيس وزيراً للعدل على مدى نحو سنتين، فيما كان المستشار القانوني محقاً في الخلفية في أن الخطوة ليست قانونية؟").
في المرحلة الثانية جاء دور بينيت ليستلقي على القنبلة. يدور الحديث عن إحدى القنابل قوية الانفجار التي تفجرت هنا في تاريخنا السياسي. وهو لا ينحصر في انفجار واحد، بل يوقع العديد من الضحايا، ويهدد القانون والنظام تهديداً وجودياً. الآن دور يائير لابيد. فهل سيكون هو الأول الذي ينجح في الاستلقاء على القنبلة والبقاء حياً؟
بينيت، وليس بلا تردد، قرر نقل "يمينا" الى آييلت شكيد. وذلك رغم أن متان كهانا مرشح طبيعي ومنطقي اكثر منها. كهانا، مثل بينيت، توصل الى الاستنتاج بأنه من المحظور تسليم نتنياهو دفة الدولة، ولو لحظة واحدة. وقد رأى الرعب عن كثب وفهم ما فهمه كثيرون جداً قبله. شكيد لا توجد هناك. طموحاتها السياسية تواصل في الاتجاه الى الأعلى، أعلى مستوى ممكن، والطريق الى هناك ملزمة بان تمر بقاعدة "الليكود". وبالتالي لماذا تلقت مع ذلك "يمينا"؟
لأنه لم تكن ثمة إمكانية اخرى. رغم أنها شتمت على مدى السنة الأخيرة بل تحدت بأنها ستسقط بينيت وتفر الى "الليكود"، تنظم تمرداً داخلياً او تشق الحزب، بقيت هناك حتى اللحظة الأخيرة. هي التي استنفدت الجهد لإقامة حكومة يمين، وبعد ذلك أعطت بينيت "ضوءاً اخضر" للتوجه الى حكومة التغيير. صمدت أمام الضغوط التي تفوق قدرة البشر على الاحتمال ولم تتحرك. الحلف بينها وبين بينيت طويل السنين. الاختبارات والتحديات. لم تكن لديه إمكانية الا يعطيها الخيوط. وهو لم يفعل ذلك بسرور لكن هذا كان هو الأمر الوحيد الذي يمكنه أن يفعله.
ماذا ستفعل شكيد؟ في هذه اللحظة، رحلتها تبدو انتحاراً سياسياً. تغيّر التصويت لـ"يمينا" في الاستطلاعات. كلهم تقريباً ينتمون اليوم الى معسكر "كله إلا بيبي". وهي لن تتمكن ابداً من إقناعهم انها لن تجلس مع نتنياهو، وهي لن تتمكن أبداً من إقناع البيبيين بأنها نعم ستجلس (فقط) مع نتنياهو. احتمال ان يبقى متان كهانا الى جانبها في "يمينا" ليس عالياً. عرض معقول من محيط بيني غانتس مثلاً سيدفعه الى الخارج. لقد حقق كهانا إنجازاً سياسياً كبيراً في هذه السنة، وهو يتمتع بشعبية متزايدة حتى في مطارح الوسط. وبعد أن قلت كل هذا، لا أوصي بتأبين شكيد قبل الأوان. القبور السياسية مليئة بمؤبنيها.
اذا لم تحصل دراما مجنونة في اللحظة الأخيرة، سيصبح يائير لابيد رئيس الوزراء الـ 14 لإسرائيل. سيكون هذا في يديه. فعل نتنياهو كل شيء كي يمنع هذا. في الايام الاخيرة اصبح التراكض حول رئيس المعارضة فزعاً حقيقياً. في الليلة السابقة أصبحت الاقتراحات تياراً عكراً، مشوشاً وفوضوياً من الأفكار الشوهاء التي أُلقيت على غانتس من جهة وعلى جدعون ساعر من الجهة الأخرى. لم يكن لهذا احتمال. هذان الاثنان يفضلان صفقة مع الشيطان من صفقة سياسية مع نتنياهو.
ستكون هذه هي المرة الأولى منذ 2009 والتي يتوجه فيها نتنياهو الى الانتخابات من موقع ليس رئيس الوزراء. ستكون هذه هي المرة الأولى التي يوضح فيها الحريديون لنتنياهو مسبقا بأنهم هذه المرة ليسوا في جيبه كما كانوا دوماً. ستكون هذه هي المرة الأولى التي يعرف فيها نتنياهو بان هذه قد تكون هي المرة الأخيرة. كل هذا لا يساهم في هدوئه النفسي أو هدوء محيطه. اليوم هو متعلق أكثر بلابيد وبأدائه في الأشهر القريبة القادمة مما هو متعلق بنفسه. نتنياهو يكره أن يكون متعلقاً بالآخرين. كل شيء ممكن.

 عن "معاريف"