طوال عقود واجه قطاع صناعة التبغ حروباً شرسة من قبل القيمين على الصحة العامة لما أُثبتت من أضرار خطرة للتدخين على الصحة بعد سنوات طويلة من الأبحاث والدراسات والاستخدام.
وفي مرحلة من المراحل طرحت السيجارة الإلكترونية كبديل صحي يمكن أن يساعد المدخن في الإقلاع عن التدخين بشهادة أطباء يمكنهم وصفها لمن يرغبون في الخروج من دوامة التدخين ومضاره، إلا أن ما نشهده اليوم من انتشار واسع للسيجارة الإلكترونية الذي تحول إلى صيحة يتبعها كثيرون من فئات عمرية مختلفة من مراهقين وشباب وكبار في السن، يدعو إلى التساؤل حول ما إذا كانت السيجارة الإلكترونية فعلاً لا تزال البديل الصحي للسيجارة التقليدية أو ما إذا كان انتشارها الواسع هذا يدعو للقلق لاعتباره قد يؤدي إلى إدمان بحلة جديدة.
وخلال السنوات الأخيرة اكتسبت السيجارة الإلكترونية سمعة بكونها طريقة آمنة أكثر لاستهلاك النيكوتين أو حتى وسيلة للإقلاع عن التدخين التقليدي، فشاعت هذه الفكرة ومعها صيحة استخدام السيجارة الإلكترونية على الرغم من الجدل القائم حولها.
ووفق ما توضحه رئيسة مركز مكافحة الإدمان على التدخين في مستشفى "أوتيل ديو دو فرانس" في بيروت الطبيبة زينة عون ظهرت الأضرار الناتجة من التدخين التقليدي على الصحة بعد أكثر من 50 سنة، ومن الطبيعي أن يتطلب إثبات ما قد ينتج من السيجارة الإلكترونية من أذى، سنوات أيضاً من بداية ظهورها واستخدامها بما أنه يتم الاستناد إلى الأضرار البعيدة المدى في الدراسات، إنما ظهرت من الآن آثار مباشرة وواضحة للتدخين الإلكتروني بما سمح بتأمين الحد الأدنى من المعطيات المطلوبة في هذا المجال.
مكونات سامة لا تقل خطورة
تحتوي السيجارة الإلكترونية التي يعرف استخدامها بالـ Vapingعلى المنكهات المتنوعة التي تشكل المكونات الأكثر جذباً فيها، خصوصاً بالنسبة إلى فئة الشباب، إضافة إلى سائل إلكتروني يحتوي على النيكوتين بمعدلات تركيز متفاوتة ومكونات أخرى عدة مثل الـ "جلايكول" والـ "جلسرين"، وهي تعمل ببطارية من دون حرق التبغ كونها لا تحتوي عليه، وهنا يكمن الفرق بينها وبين السيجارة التقليدية، فيتنشق فيها من يستخدمها ما يعرف بالبخار.
وفق ما أظهرته الدراسات من أنه في المنكهات التي في السيجارة الإلكترونية خطورة لا يمكن الاستهانة بها، فهي تحتوي على مواد تتحول إلى سامة بوجودها فيها، مما دعا الـ FDA إلى منعها أخيراً، كما توضح عون.
وتبيّن أن السيجارة الإلكترونية تحتوي على مواد عدة سامة إضافة إلى الـ "بروبلين جلايكول" المسؤول عن إنتاج الدخان.
الإقلاع عن التدخين بالليزر... الجلسة بـ269 دولارا والنتائج "وهمية"
وحتى إذا لم يكن مضراً في الهواء فهو يتحول إلى سام في السيجارة الإلكترونية ويشكل خطورة عالية على الجهاز التنفسي مسبباً السعال وضيق النفس، مع الإشارة إلى نوع آخر من البدائل عن التدخين التقليدي وهي السيجارة التي تعمل على تسخين التبغ بدلاً من حرقه والتي لا تحتوي على مادة الـ "بروبلين جلايكول" أو المنكهات، إنما تحتوي على الدخان والنيكوتين وهي سامة أيضاً، وإن كانت الشركات المنتجة لها قد طرحتها في الأسواق كبدائل أقل ضرراً للتدخين التقليدي، فالأرباح التي تحققها هذه الشركات هائلة مما يجعلها أكثر حرصاً على نشر هذه الصيحة للاستفادة منها، فيزيد ذلك صعوبة محاربتها كمجموعات ضغط لها تأثير قوي، تماماً كما حصل مع السيجارة التقليدية طوال عقود، فهي تحاول نشر صورة للسيجارة الإلكترونية وكأن كلها حسنات في إعلاناتها، خصوصاً على وسائل التواصل الاجتماعي التي تطاول مختلف الفئات العمرية من دون حدود أو عوائق، خصوصاً فئة الشباب، حتى إن التغليف المعتمد لهذا النوع من السجائر يبدو أكثر جاذبية وبألوان لافتة لفئة الشباب بشكل خاص، حتى باتوا يعتمدوها بكثرة كصيحة رائجة.
أضرار مباشرة على الجهاز التنفسي
"حتى اللحظة لا يمكن تحديد الأضرار البعيدة المدى أو المزمنة للسيجارة الإلكترونية بما أن مدة استخدامها قصيرة نسبياً، إنما ثمة معطيات وآثار مباشرة يمكن أن توضح الصورة، فقد انتشر في أغسطس (آب) 2019 ما بدا ناتجاً من وباء بين الشباب مع ارتفاع معدلات دخولهم إلى المستشفيات في الولايات المتحدة بسبب مشكلات في الرئتين، ثم تبين لاحقاً أنها ناتجة من استخدام السيجارة الإلكترونية المنتشرة بكثرة بينهم، وعلى أثر ذلك أعلنت الـ CDC وجود علاقة بين استخدام الشباب السيجارة الإلكترونية وارتفاع معدلات الدخول إلى المستشفيات".
ومن الأضرار الصحية الحادة والسريعة التي تسببها السيجارة الإلكترونية التحسس في الجهاز التنفسي وما ينتج من ذلك من سعال مترافق مع إفرازات، وكذلك الالتهاب الرئوي ونقص معدلات الأكسجين واضطرابات في الدم وزيادة في سماكته، كما بالنسبة إلى السيجارة التقليدية، إضافة إلى اضطرابات في وظائف الجهاز التنفسي.
إدمان أكثر خطورة
بالاستناد إلى الأضرار القريبة المدى التي ظهرت للسيجارة الإلكترونية تؤكد عون "أنها لا تعتبر أبداً البديل الصحي للسيجارة التقليدية وهذا ما أكدته دراسات عدة، وإن كان كثر ممن يستخدمونها يقنعون أنفسهم بذلك. وأشارت منشورات علمية إلى إمكان اللجوء إلى السيجارة الإلكترونية كبديل مؤقت للسيجارة العادية حتى بلوغ مرحلة الإقلاع التام عن التدخين، وبالتالي على الانتقال إليها أن يكون مدروساً وبإشراف طبي، فكمية النيكوتين الموجودة في السيجارة الإلكترونية أقل من تلك التي في نظيرتها العادية وقد تساعد في بلوغ مرحلة الإقلاع عن التدخين شرط القيام بهذه الخطوة بطريقة مدروسة ومؤقتة".
وتضيف، "في برنامج وقف التدخين الذي نضعه في المركز يمكن وصف الـ Patchs للمساعدة في الإقلاع عن التدخين او يمكن أن تعتمد السيجارة الإلكترونية بشكل مؤقت، لا للمدى البعيد كونها سامة في الوقت نفسه".
وأظهرت الدراسات أن من يدخنون السيجارة الإلكترونية يتجهون عادة إلى أنواع أخرى من التدخين مثل القنب وغيره، مما يتحول إلى إدمان من نوع آخر يصعب التخلي عنه في مرحلة لاحقة. وقد يشكل الإدمان على السيجارة الإلكترونية أصعب أنواع الإدمان متى تعلق بها من يستخدمها، وإن كانت تحتوي على كمية أقل من النيكوتين، مع الإشارة إلى أن الإدمان هنا يكون إدماناً على التدخين وإدماناً سلوكياً مما يستدعي معالجة الإدمان السلوكي والإدمان على المادة عند المساعدة على الإقلاع عن التدخين".
أطر تنظيمية في دول فماذا عن لبنان؟
وضعت دول عدة في العالم أطراً تنظيمية وقوانين لتنظيم استخدام السيجارة الإلكترونية والحد منه، خصوصاً بعدما ظهرت لها أضرار مباشرة لا تقل خطورة عن تلك التي يمكن أن تنتج من السيجارة العادية، فهناك ضوابط تمنع استخدام السيجارة الإلكترونية في الأماكن العامة في العديد من الدول، ومنها دول منعت استخدامها من قبل فئة الشباب.
أما في لبنان فلا عوائق ولا تنظيم في هذا المجال، تماماً كما هي الحال مع التدخين التقليدي فتعم الفوضى ويستخدمها أشخاص من مختلف الفئات العمرية من دون ضوابط وفي مختلف الأماكن مما يزيد من خطورتها، حتى إن قانون منع التدخين في الأماكن العامة الذي صدر قبل أعوام واجه حملة واسعة من الاعتراضات حتى لم يعد لوجوده أي معنى، كما بالنسبة إلى قوانين عدة لم تطبق في البلاد.