حكومة التغيير: هدوء نفسي إسرائيلي دفع الفلسطينيون ثمنه من دمائهم وأرضهم

هارتس.jpg
حجم الخط

بقلم: افنير جبرياهو

 

 

 

 "العقلانية"، كما يبدو، هي الكلمة المحببة جداً على وزراء الحكومة المغادرة. في الوقت الذي أصبح فيه مصطلح "حكومة التغيير" مريراً ومثقباً، تحولت العقلانية الى رسالة رئيسية. في حكومة متشاجرة مع نفسها وعالقة وتتخلى عن أعضاء جسدها كأنها مجذومة ظلت "العقلانية" رسالة رئيسية. أنا لا أستخف بهذا. طوال أكثر من عقد بثت حكومات اليمين لجزء متزايد شيئاً فشيئاً من الجمهور بأنهم عفونة زائدة، خونة، شيء ما يمكن احتماله الآن، إلى ان يتم العثور على حل له.
كانت الحياة في ظل نتنياهو تحت هجوم فكري على كل الجبهات، مجموعة أكاذيب فجة مسمومة تبرز من كل شاشة ومن كل عنوان في صحيفة. نهاية ولايته الأولى وصفها عاموس عوز بـ "كومبريصة" تحت الشرفة توقفت عن العمل. كانت ولايات نتنياهو التالية أسوأ. وفجأة عم الهدوء. توقف الناس عن سماع الأخبار. ليست لأنها الحكومة كاملة الأوصاف، بل لأنها حققت الحد الأدنى الضروري الا وهو "العقلانية".
أعرف عن قرب "ماكينة السم" التي وصفها نفتالي بينيت. من بين أمور اخرى بفضل نفتالي بينت واييلت شاكيد، اللذين حتى فترة ليست بعيدة، وعندما شعرا بأن الأمر سيفيدهم سياسياً، زيّتا عجلاتها بسرور. أعرف ما يشعرون به عندما تدعو وزيرة العدل على سبيل المثال، الى فتح تحقيق سياسي ضد صديق وزميل فقط من أجل أن يقولوا في نهاية مهزلة محاكة بإهمال: انه كاذب. رفيقهم في الحزب وصفهم بـ "لاساميين"، قبل دقائق من دخوله الى حكومة "العلاج". أعرف كيف يكون الحال عندما يصفك الأقوياء في الدولة بالخائن، وانت تسترق النظر الى الخلف للتأكد من أن لا أحد يتتبع خطاك.
لهذا اتضح لي ايضاً الفخ الذي وجد حزبا ميرتس والعمل- واللذان كان المصوتون لهما اليهود هم أول من أدرك من سيكون عليه الدور، بعد العرب - نفسيهما فيه، بفضل نزع الشرعية المتزايد عن حكومة نتنياهو. من الواضح لي لماذا شعر قادة هذين الحزبين ان المصوتين لهما لن يغفروا لهما اذا سمحوا بعودة نتنياهو الى مركز اتخاذ القرار في إسرائيل، ولماذا كانا مستعدَّين لتقديم تنازلات بعيدة المدى من اجل عدم حدوث مثل هذا السيناريو.
ولكن مقابل هذا الهدوء الذي حصلنا عليه، دفعنا بالعملة الفلسطينية، مقابل مصالحاتنا تاجرنا بدمائهم، بأمنهم الشخصي، وبأراضيهم. توقفنا عن عدّ عدد التحقيقات النزيهة التي قررت ان جنود الجيش الإسرائيلي أطلقوا النار على الصحافية شيرين ابو عاقلة وقتلوها. وأصبحت هجمات المستوطنين روتيناً قاسياً جعل من تصريحات بيني غانتس وعومر بارليف النارية التي أطلقاها أمام عدسات الكاميرات محل استهزاء، وان الأراضي يتم سلبها في وضح النهار بحماية عسكرية ودعم حكومي في حومش وافيتار، وما زال اللصوص يحتفظون بمسروقاتهم في الوقت الذي تعطي فيه الحكومة الملايين للمستوطنين من اجل تمويل شراء حوامات يمكنها العثور على "بناء فلسطيني غير مرخّص".
صادَق قضاة المحكمة العليا على تهجير اكثر من 1200 شخص في مسافر يطا من اجل تحويل بيوتهم الى معسكر تدريب. ومن أجل تشجيع السكان على تهجير انفسهم، فإن الجيش ومنذ اسبوع يتدرب بالقرب من بيوت المواطنين بالذخيرة الحية. أعلن وزير الدفاع عن ست جمعيات فلسطينية رئيسية بأنها منظمات "إرهابية"، مع تقديم بينات تم رفضها باحتقار من قبل كل الدول المهمة، ومكن مواصلة تقديم الأمثلة.
فتحت الحكومة الحالية لمنظمات مثل "محطمو الصمت" كوّة ضيقة من اجل التنفس والعمل والتفكير. ولم يعد الوزراء بإمكانهم أن يسموك خائناً لأن أشخاصاً كانوا يحملون آراءً مشابهة جلسوا معهم في الائتلاف ذاته. ولكن قدرتنا على الحديث والعمل بحرية ليست هي الهدف، ومن المحظور علينا التمسك بها كتمسك الفقير بفضلات الطعام. ليس من المعقول ان يتحول الحق في حرية التعبير الى عنوان للنضال الحالي، ومن المحظور أن تجعلنا الهجمات علينا ننسى لماذا ناضلنا منذ البداية من أجل حرية التعبير. على بعد كيلومترات معدودة عنا يقوم جنود بتعزيز نظام دكتاتوري باسم سرقة أراض وتفوق يهودي. يومياً، يقوم بذلك بثمن دموي، ونادراً ما يجد طريقاً إلى وسائل الإعلام. في السنة التي دفع فيها الفلسطينيون ثمناً للهدوء الذي نتمتع به، فإن حقهم في الدفاع عن أنفسهم يكتنفه الشك.
كان الفضاء الليبرالي في إسرائيل عرضة للهجوم في السنوات الأخيرة، ويتعرض للهجوم أيضاً اليوم: حقوق المثليين، حقوق النساء، وحقوق العمال. ليس هنالك اي إنجاز مفهوم ضمناً. كل واحد منها معرض للاختفاء بجرة قلم. ولكن من المحظور علينا أن ندفع مقابل حقوقنا من حقوق شعب آخر. وإلا فإننا نكون لا ندافع عن حقوق، بل عن امتيازات، وحتى هذه ستكون مؤقتة فقط، ومتآكلة من الداخل. احتفال بالديمقراطية الزائفة على حافة الهاوية.

عن "هآرتس"